«الرجاء عدم الاتصال» يتصدى لترويج الوهم وحلم الثراء السريع

جانب من حضور فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب | تصوير: عبدالله المطروشي
جانب من حضور فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب | تصوير: عبدالله المطروشي
خلال العرض المسرحي
خلال العرض المسرحي

افتتحت هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، أول من أمس، عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الـ15 على مسرح «ندوة الثقافة والعلوم» بدبي. وتستمر فعالياته حتى 28 أكتوبر الجاري.

وخلال عرض الافتتاح، وللعام الثالث على التوالي، قدم الثنائي عبد الله الحمادي ومحمد صالح السيدي عملاً تحت عنوان «الرجاء عدم الاتصال»، وهو عمل آخر يضاف إلى رصيد أعمالهم المسرحية الشغوفة بتعرية القضايا المجتمعية والتصدي لظواهرها المتنامية ضمن أوساط الشباب.

5 مواهب

جاء العمل بمشاركة 5 مواهب شابة، تنتمي إلى مسرح العين، منتج العمل، ومن إخراج وسينوغرافيا عبدالله الحمادي، وتأليف وإشراف محمد صالح السيدي.

وتدور قصة العمل حول سلبيات الترويج لوهم الثراء السريع وتحقيق الأحلام عبر منصات التداول المالي، أو الحصول على القروض البنكية، كإحدى الحلول السريعة.

وقد تمكن أبطال العمل من تحريك شخوص النص المرتكز على هذه القضية، ببراعة في فضاء السرد البسيط والمقنع، لكثير من القصص متشابهة البدايات، وكذلك النهايات، التي تبدأ مع أول تجاوب مع اتصال هاتفي ممن يروجون لتلك المنصات والشركات.

ومن جانب آخر، بات من الواضح أن الشراكة الفنية بين المخرج عبد الله الحمادي والكاتب المسرحي محمد صالح، تسير في منحنى تصاعدي، من التجويد والاشتغال على قيمة العمل، وكذلك الأبطال عاماً بعد عام. وهو الأمر الذي لفت انتباه الجمهور والنقاد منذ عرض مسرحية «دوبي»، بالتعاون مع فرقة مسرح ياس في الدورة الــ13 من المهرجان، في عام 2022، ليتكرر المشهد مجدداً ويصفق الجمهور بحرارة لافتة، تقديراً للعرض وأبطال العمل نظراً للأداء الاستثنائي لبطل العمل عبد الله خليل، إلى جانب كل من إبراهيم محمد وسيف سلطان، وكذلك أحمد الحسن وسليمان الفارسي وقدرتهم على طرح هذه القضية الشبابية بامتياز، والمثقلة بالهموم والتحديات المجتمعية، في قالب كوميدي ساخر، يحترف جماليات المضمون، ويتقن لعبة المسرح ضمن معالجة مسرحية تستحق الدعم، وفرجة عالية الأداء، وبراعة في تجسيد نص من واقع الحياة.

ظواهر اجتماعية

وعلى الرغم من المباشرة والوضوح في تناول ظواهر اجتماعية تم طرحها مراراً وتكراراً، إلا أن العمل استطاع أن يسلط الضوء على الضغوط المادية والمجتمعية التي تحاصر جيل اليوم وتدفعه للاستجابة لتلك المتغيرات.

اللافت في الأمر هو أن العمل القائم على 5 ممثلين شباب، استطاعوا من خلال قالب كوميدي جذب اهتمام الجمهور من خلال فكرة الإخراج، وانعكس جزء من أهمية العمل في التناغم الشديد بين عناصر السينوغرافيا، وأداء الشخصيات على الخشبة، وهو أداء وصف بالمبهر، بما فيه من انتقالات وحركات ضاحكة، كانت منسجمة تماماً مع فكرة النص، وعبرت عنه.

ومن خلال لعبة الجسد والرشاقة التي بدت واضحة خلال تلقي بطل العمل «عبد الله خليل» لسيل من المكالمات التي لا تنتهي من وكلاء شركات التداول المالي والقروض، وتصاعد الأحداث بتورط البطل بديون مالية تصل إلى أكثر من مليون درهم بعد أن فشل في استغلال ذلك المال وتوظيفه في مشروع يضمن له الاستقلال الوظيفي، حيث انساق وراء حلم الثراء وبات ينفق تلك الأموال دون وعي على سفرات ترفيهية، ودعوة أصدقائه للمطاعم الفاخرة، وشراء السيارات، إلى أن انتهى به المطاف إلى إشهار إفلاسه، ولم يجد أمامه من يمد له يد العون، وكذلك فقد وظيفته التي كانت هي مصدر رزقه الثابت، ليدخل مجدداً في دوامة لا تنتهي من تلقي المكالمات والاستجابة لها متجاهلاً الحل في الخروج من هذه المتاهة وأولها رفع راية «الرجاء عدم الاتصال».

استطاع المخرج عبد الله الحمادي ببراعة إدارة فريق العمل والممثلين، في إطار سينوغرافيا مبتكرة وإبداعية لقطعة واحدة، تتحول إلى أكثر من قطعة توظف في إطار العمل. وهو ما ساهم في شد الجمهور نحو حوار العمل الدرامي والكوميدي في آن، ضمن حبكة العرض ومعالجته النفسية والدرامية، إلى جانب شعور الجمهور بقدرة الشخصيات على التواصل بتناغم نفسي، وهو ما كان من عوامل قوة العمل المسرحي.

وفي سياق أهمية العمل أكد رئيس مجلس إدارة مسرح العين الفنان سلطان النيادي، الذي يحسب له إنشاء فرقة مسرح العين في 28 نوفمبر عام 1992، إن العمل بلا شك هو عمل شبابي من الطراز الأول، يتميز بسرد شغوف بالقضايا المجتمعية، ويعيد التوازن لهوية المسرح الإماراتي في سياقه المحلي.

بيئة تنافسية

ومن جانب آخر، أشارت فاطمة الجلاف، مدير إدارة الفنون الأدائية بالإنابة في «دبي للثقافة» ورئيس مهرجان دبي لمسرح الشباب، إن استمرار المهرجان على مدار السنوات الماضية، يعكس نجاحه في تحفيز طاقات وإبداعات الشباب الذين يضاعفون من الثمار الإيجابية للمهرجان في كل نسخة منه، وقالت: «وسنحرص من جانبنا على توفير بيئة تنافسية إيجابية، تلهم الجميع على تقديم أفضل مساهماتهم، على نحو يعزز فنون الأداء المسرحي الشبابي في الإمارات والمنطقة، بما يتماشى مع متطلبات قطاع فنون الأداء محلياً في إمارة دبي والإمارات الأخرى والمنطقة عموماً».