الأدب النسوي بين «الانغلاق» والإبداع

يتجدد السجال حول الأدب النسوي في المشهد الثقافي باستمرار، خصوصاً كلما برز اسم كاتبة أو مبدعة، ويتشعب النقاش حول دوره وتأثيره ومدى انتشاره.

ويؤكد البعض، ومنهم الروائي أشرف الخمايسي، أن الأدب النسوي منغلق على ذاته، ومرتبط فقط بقضايا المرأة والتجارب الأنثوية، بينما يرى آخرون، ومنهم الروائية والناقدة الأدبية هويدا صالح، أنه يقدم رؤية شاملة للتجربة الإنسانية، ويسلط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة، ويحفل بأعمال أدبية ذات قيمة عالية.

يؤكد الروائي أشرف الخمايسي أن الأدب النسوي منغلق على قضايا المرأة؛ ما يضيق من آفاقه الأدبية، غير أنه في الوقت ذاته لا يعتقد أن ذلك عيب، مضيفاً: «ليس من المعيب أن تركز المرأة على قضاياها، بل ربما لن تكون أمينة على جنسها إن لم تفعل ذلك، وقد يؤدي التركيز على قضاياها إلى تفجيرها عالمياً».

لا ينحصر رأي أشرف الخمايسي عند موقفه من الأدب النسوي فحسب، بل يمتد إلى ما أبعد من ذلك، إذ يرى أن الكاتبات غير قادرات على الإبداع بالمقارنة بالكتاب الرجال، ويقول: «المرأة تفتقر، بشكل فطري، إلى بعض المقومات الإبداعية التي يمتلكها الرجل، فهي تميل إلى الاحتواء بدلاً من الاختراق؛ ما يجعلها أقل قدرة على الإبداع الأدبي».

ومع ذلك لا يرى الخمايسي أن الكتابة حكر على الرجل، ويقول: «لم أقصد أن المرأة ليست كاتبة، فهي تستطيع الكتابة، لكن ما أقصده أنها لا تبدع». ويرفض الخمايسي ما يثار حول أن أوضاع المرأة الصعبة في الشرق تعيقها إبداعياً، متابعاً: «لست مع تلك المزاعم، فالرجل الشرقي يعاني أيضاً بشكل غير معقول، مع ذلك لا يتعلل بما يعانيه».

ويستند الخمايسي في رؤيته تلك إلى معاييره التي يعتمد عليها في تقييم أي عمل أدبي، سواء أكان من تأليف امرأة أم رجل، ويعتبرها معايير ثابتة مرتبطة باللغة والأسلوب وبنية النص والفكرة، ويقول: «بصفتي قاصاً وروائياً أقيم الأدب عند الطرفين من خلال النظر في اللغة والأسلوب أولاً؛ لأنهما غالباً ما يتمتعان بتناغم خاص بينهما، حتى إن أحدهما يمكن ألا يكون دون الآخر، ثم بعد ذلك ننظر في بنية النص، ثم بالأخير النظر في الفكرة، أو الموضوع».

وبحسب رأيه فإن الأدباء الرجال يستوفون هذه المعايير، في حين الغالبية العظمى من الكاتبات يواجهن صعوبة في تحقيقها. ويردف: «عندما أقرأ الأدب الرجالي فإن كثيراً منهم يحققون هذه المعايير في كتاباتهم، أو بعضاً منها، لكن الغالبية العظمى من الكاتبات لا تحقق أياً منها».

مع ذلك يؤكد الخمايسي أن لكل قاعدة شواذَّ، وأن هناك بعض الكتابات البديعة للمرأة ربما تتفوق على كتابات الرجال، متابعاً: «على رأسهن إيزابيل الليندي، وفي مصر أسماء هاشم ودعاء إبراهيم، وفي الشعر وفاء المصري، وغيرهن اثنتان أو ثلاث، لكن لو سألتني عن مبدعين رجال فسأذكر أكثر من عشرين اسماً على الأقل، وسأنسى عشرين آخرين!».

في المقابل، تعتبر الروائية والناقدة الأدبية هويدا صالح الرأي القائل بانغلاق الأدب النسوي على ذاته محاولة مغرضة لتقليل شأن الأدب النسوي وتحقير قيمته، ولا بد أن هذا الرأي صادر عن رجل يسعى إلى التقليل من إبداع المرأة، لافتة إلى أن العديد من صاحبات القلم يتناولن في أعمالهن قضايا مجتمعية واسعة، ويتغلغلن بإبداعهن في جميع الجوانب الإنسانية، إلى جانب القضايا النسوية بوصف المرأة كائناً حياً يعيش في المجتمع.

نماذج

وتؤكد كاتبة رواية «عمرة الدار» وجود نماذج عدة من الكاتبات العربيات اللائي يقدمن أعمالاً أدبية ذات قيمة فنية عالية، تتناول قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب لا يقل جمالاً وإتقاناً عن أعمال الرجال، واستشهدت بأمثلة على ذلك: «هناك ابتهال سالم في روايتها «نوافذ زرقاء» التي رصدت حياة المجتمع في السبعينيات، وكذلك روايتي «عمرة الدار» التي تناولت فيها الصوفية والعلاقة بالمجتمع، ورواية منى الشيمي «سيرة الأمير يوسف كمال» التي تجاوزت حياة شخصية لتصل إلى سيرة عصر كامل، وصفاء النجار في روايتها «حسن الختام» بتطرقها إلى فكرة الاستنساخ، وصفاء عبدالمنعم وقضاياها السياسية والاجتماعية في أكثر من رواية»، مؤكدة أنها تستطيع الحديث عن عشرات غيرهن من مصر والعالم العربي.

ممارسات فردية

وتثير مؤلفة المتتالية القصصية «الحجرة 13» نقطة مهمة حول التحيزات الفردية تجاه كتابات النساء، معتبرة أنها ليست ظاهرة عامة، بل مجرد ممارسات فردية لبعض النقاد، ومع ذلك ترى أن هذه التحيزات يجب ألا تعيق الاعتراف بإنجازات الكاتبات.

في هذا السياق، تستهجن هويدا صالح فكرة أن النساء قد يكتبن، لكنهن يعجزن عن الإبداع، مؤكدة أن الإبداع لا يخضع لإطار ثابت أو مطلق يمكن قياسه بشكل علمي. وتشير إلى أن الجماليات الأدبية نسبية، ولا يمكن تحديدها وفق معايير محددة؛ مما يعيق الابتكار، كما تؤكد أن النساء قادرات على الإبداع الأدبي بقدر الرجال، وأن التحديات التي تواجهها الكاتبات لا تختلف عن تلك التي يواجهها الكتاب الرجال؛ ما يجعل التصنيف القائم على الجنس غير عادل أو منطقي.