في قلب دبي، حيث تلتقي آفاق المستقبل مع عبق تاريخ الفنون البصرية المعاصرة، وتقنياتها الاستشرافية للواقع الافتراضي، والإبداع التوليدي للفنون التشكيلية الرقمية، يطل متحف المستقبل كنافذة استثنائية على عالمٍ من الإمكانات اللا محدودة. هنا، تحت سماء تتلألأ بأحلام لا تنتهي، ومسارات مبهرة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لجذب جمهور جديد لفن من نوع آخر، يأتي معرض «أحلام الأرض» للفنان العالمي رفيق أناضول، ليأخذنا في رحلة تلامس الأرواح، عبر تجربة مبتكرة لحضور الفن والتكنولوجيا واستدامة الطبيعة.
الجدير بالذكر أن المعرض، والذي يعد الأول من نوعه في العالم، سيكون جزءاً ملهماً من معروضات متحف المستقبل بصفة دائمة، وذلك في الطابق الثاني، الذي خصص مساحة عامرة لهذا العمل البانورامي، باستخدام أكثر من 30 جهاز عرض، حيث تتراقص البيانات أمام أعيننا كنجوم تتلألأ في ظلمة الفضاء، وتتشكل الصور من خيوط الطبيعة، عاكسةً تعقيدات الحياة وتغيرات المناخ. في هذا المعرض، يتلاشى الفاصل بين الواقع والخيال، ويتحول الفن الرقمي إلى لغة تتحدث عن الأرض، تنبض بالحياة وتداعب الحواس.
تجارب تفاعلية
وفي السياق، أكدت مروة محمد تنفيذي أول للتجربة التقنية بقسم تقنية المعلومات بمتحف المستقبل بدبي لـ «البيان»، أنه، ومن خلال خوارزمياتٍ معقدة، وتجارب تفاعلية، يدعو الفنان رفيق أناضول زوار المتحف إلى استشعار جمال الطبيعة وتحدياتها، ليعيد صياغة فهمنا للعالم من حولنا. كل زاوية وكل عرض يروي قصة، قصة كوكبنا، تلك الأرض التي تحتاج إلى صوت يتحدث عنها، ورؤية تتجاوز حدود الزمان والمكان، وفقاً لرؤية الفنان رفيق أناضول، الذي يعتبر أحد أبرز الفنانين الرقميين في العالم، وقد حقق تقدماً ملحوظاً في مجالات التكنولوجيا خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. بدأ مسيرته في استخدام الخوارزميات منذ عام 2008، وتوسع في استخدام تقنية الخرائط الإسقاطية على نطاق معماري منذ عام 2010. كما خاض تجربة الواقع الافتراضي منذ ظهور مجموعة تطوير Oculus في عام 2013.
الفنون الرقمية
وتضيف مروة: من اللافت أن نشهد التطورات التي تجمع بين تاريخ الفنون التشكيلة والبصرية، وأحدث التقنيات التكنولوجية المتسارعة، والتي باتت تعرف بالفن الرقمي، الذي أثبت حضوراً مميزاً في السنوات الأخيرة، وبات من أهم المشروعات الفنية التي يقبل عليها الفنانون، وكذلك محبو الفن، كونها تمثل تحدياً لقدرات الفنان المعاصر في دمج رؤيته عبر مساحات شاسعة وخيالية للذكاء الاصطناعي. وعبر معرض «أحلام الأرض»، يصبح المستقبل ليس مجرد رؤية، بل تجربة تتجسد في الألوان والأصوات، تذكرنا بأننا جميعاً جزء من هذا النسيج العظيم، وأن حلم الحفاظ على الأرض، هو حلم مشترك يتجاوز الحدود. فلندخل معاً إلى هذا العالم الساحر، حيث تتلاقى الأحلام مع الواقع، وتتجلى آمالنا في عوالم جديدة من الإبداع والفن.
30 جهاز عرض
وتتابع مروة: يعتمد المعرض الأول من نوعه على ملايين الصور للطبيعة حول العالم، التقطتها الأقمار الصناعية، وبيانات الأرصاد الجوية، لتقدم تصوراً فنياً باستخدام أكثر من 30 جهاز عرض، حيث نجح الفنان رفيق أناضول في توظيف إمكانات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتحويل هذه البيانات إلى عرض بصري تفاعلي، يجسد تفاصيل كوكب الأرض، ويعكس جمالياته عبر ثلاثة أقسام رئيسة، حيث يحمل القسم الأول من سلسلة اللوحات الفنية الرقمية، التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي عنوان «الهواء»، والمستوحى من صور السحب والغلاف الجوي، لتمنح الزوار مشهداً واسعاً للسماء على امتداد الأفق.
إبداع إنساني
وتضيف مروة: يعتمد القسم الثاني بعنوان «الأرض»، على البيانات المفصلة التي تشمل صوراً لكوكب الأرض، وبيانات الأرصاد الجوية، لخلق تجربة فنية تبرز جمال كوكب الأرض وطبيعته المتنوعة. فيما يحمل القسم التفاعلي الأخير عنوان «الماء»، ويمزج فيه الفنان العالمي الماضي بالمستقبل، والذكاء الاصطناعي بالحياة الطبيعية، مع إبداعات الفكر الإنساني والحركة المادية.
وأكدت أن أعمال رفيق أناضول، تجمع بين الفلسفة الفنية والتكنولوجيا، ما يخلق تجارب بصرية جديدة، تدفع حدود الفن التقليدي، وتفتح آفاقاً جديدة في عالم الفن الرقمي.
الشبكات العصبية
وفي ما يتعلق بالجانب التقني والتكنولوجي في هذه المعرض، تقول مروة: استخدم رفيق أناضول العديد من التقنيات المتقدمة في هذا المشروع، الذي يفوق التوقعات، وأبرزها هو جمع البيانات، والتي هي عبارة عن ملايين الصور للطبيعة حول العالم، التقطتها الأقمار الصناعية، وبيانات الأرصاد الجوية، ومن ثم يستخدم تلك البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على التعرف إلى الأنماط والأساليب الفنية، إلى أن نصل إلى مرحلة الإبداع التوليدي، من خلال خوارزميات الشبكات العصبية التوليدية (GANs)، لإنشاء صور فنية جديدة، بناءً على الأنماط التي تعلمها، ما يمنحه القدرة على إنتاج أعمال فنية غير تقليدية، وإنشاء لوحات تتسم بالتعقيد والجمال، ومن خلال استخدام أدوات رقمية، يمكنه أن يكون فنه أكثر استدامة وملاءمة للبيئة.