تنفتح أعين الأطفال في العصر الراهن على أشكال متنوعة من أدوات التثقيف مستوحاة من طبيعة الواقع المسكون بشغف التكنولوجيا، ويختفي أمام تلك الأدوات الدور البشري في عملية غرس الثقافة أو يتوارى بعض الشيء، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى نجاح هذا التوجُّه في تنشئة جيل يمتلك خلفية ثقافية راسخة.
«البيان» طرحت القضية بين أيدي عدد من الكتَّاب الذي أسهموا في أدب الطفل، ليرسموا صورة واضحة عن نجاح التكنولوجيا الحديثة في تثقيف الطفل، وحقيقة إمكانية الاستغناء عن العنصر البشري في هذا المسار الذي يحدد مصير المستقبل الثقافي.
وظيفة تكميلية
وأكدت الكاتبة الإماراتية مريم الزرعوني أن للتكنولوجيا دوراً رئيساً في تعزيز التعليم وتثقيف الأطفال بطرق مبتكرة وفعَّالة، مشيرةً إلى أن التطبيقات التعليمية التفاعلية والمواقع الإلكترونية المتخصصة والألعاب التعليمية جميعها توفر فرصاً لتعلم الأطفال بطرق مشوقة ومثيرة، وأنه من خلال هذه الأدوات، يمكن للأطفال تعلم المواد الدراسية وتطوير مهاراتهم بطرق غير تقليدية. وقالت الزرعوني، التي وصل كتابها «أبي الكناري الكبير» إلى القائمة الطويلة من النسخة التاسعة عشرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (فئة أدب الطفل والناشئة): «إن التعلم التفاعلي، على سبيل المثال، يوفر تطبيقات وألعاباً تعليمية تحقق تجربة تفاعلية تشجع الأطفال على المشاركة النشطة في التعلم»، لافتةً إلى أنه يمكننا إجمالاً اعتبار التكنولوجيا مساهمة بشكل كبير في تثقيف الأطفال، ولكن النجاح يعتمد على التوجيه والإشراف المناسبين لتحقيق الاستفادة القصوى وتجنُّب السلبيات.
وأضافت أن أدوات التكنولوجيا في التثقيف مكمّلة لا بديلة، فعلى الرغم من فوائد التكنولوجيا في تعليم الأطفال، لا يمكنها أن تحل محل العامل البشري لأسباب عدة، موضحةً أن أهمية التفاعل البشري تكمن في تطوير المهارات الاجتماعية والعاطفية، إضافةً إلى أن التكنولوجيا لن تضمن التكيُّف مع احتياجات الأطفال الفردية، كما أن هناك حاجة ضرورية إلى العامل البشري في غرس القيم الأخلاقية والسلوكية وتوجيه التفكير الإبداعي وتشجيعه؛ ولذا فإن تحقيق النجاح يستوجب تضافر التكنولوجيا مع التفاعل البشري حيث تعمل الأدوات الحديثة كمكملاتٍ لا بدائل.
تقنيات وتحديات
من جانبه، رأى الناقد والكاتب المصري إبراهيم أردش أن طفل اليوم محاط بأجهزة تكنولوجية وتقنيات حديثة لم تكن متاحة لطفل قبله، مشيراً إلى أن الطفل يستطيع أن يتعامل معها باحترافية لا يتقنها كثير من الكبار، وأنه صار باستطاعته الوصول إلى المعلومات عن طريقها بسهولة والتفاعل معها.
وأكد أردش، الذي صدرت له العام الماضي قصة «سر جزيرة السندباد» عن دائرة الثقافة في الشارقة، أن الطفل اليوم لم يعد مجرد متلقٍّ سلبي، وأن هذا يضع كاتب أدب الأطفال أمام تحديين، الأول يتعلق بالكيفية التي يُصوِّر بها التقنيات الحديثة في عمله؛ فلا ينبغي أن يكون توظيفها مجرد قطعة ديكور لفظية تحمل اسم التقنية ليزين العمل بها في جمل صغيرة، مشدداً على ضرورة أن يكون لها دورها في العمل الذي يعطي الأحداث مزيداً من القوة، وأن يكون الكاتب على وعي جيد باستخدام تلك التقنيات التي سيوظفها، حتى لا يكون مثار سخرية الطفل المتقن لهذه الوسائل.
وأضاف أن التحدي الآخر والأكثر صعوبة يتعلق بطريقة الوصول إلى الطفل أدبياً عن طريق التقنيات الحديثة، في ظل مغريات المواد الأخرى غير الأدبية التي تقدَّم عبر هذه الوسائل وتكون جاذبة للطفل، لافتاً إلى أن هذا التحدي الكبير لا يتعلق بتطوير الكاتب مهاراته الفنية فقط، بل لا بد من التعمق في فهم المواد المنافسة للأدب والمعرفة في جذب الأطفال.
من جهتها، أيَّدت الكاتبة الإماراتية والرسامة في مجال أدب الطفل ميثاء الخياط استخدام التكنولوجيا المتطورة في تثقيف الطفل العربي، لافتةً إلى أن التكنولوجيا الحديثة نجحت إلى حد كبير في فتح آفاق جديدة في هذا المجال، خاصة إذا استُخدمت بطريقة تعزز الهوية الوطنية الإماراتية والقيم المستمدة من الدين الإسلامي.
وقالت الخياط إن التطبيقات التفاعلية، مثل «برافو برافو» والكتب الإلكترونية المصوَّرة والمنصات التعليمية، أسهمت في تقديم محتوى ثري وجذاب للأطفال، مؤكدةً أنه من خلال هذه الوسائل يمكن إيصال القيم الإماراتية الأصيلة وترسيخ الهوية الوطنية، مثل الاعتزاز بالتراث والعادات والتقاليد، في قالب ترفيهي وتعليمي مشوِّق، كما يمكن إدخال عناصر من الدين الإسلامي، مثل الأخلاق والقصص التاريخية والاختراعات الإسلامية العلمية، بطريقة مبسطة ومحببة للأطفال.
ولفتت إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في أن يكون المحتوى مصمماً بعناية ليتناسب مع احتياجات الطفل العربي ويعكس بيئته الثقافية والدينية، بدلاً من أن يكون مجرد وسيلة ترفيهية فارغة، موضحةً أنه لا يمكن الاستغناء تماماً عن العامل البشري في تعليم الأطفال، فالتفاعل الإنساني يؤدي دوراً جوهرياً في تطوير المهارات العاطفية والاجتماعية للطفل، ويضيف بُعداً إنسانياً يصعب تعويضه بالأدوات الحديثة؛ فالكتب الناطقة والتطبيقات التعليمية التفاعلية هي أدوات رائعة تسهم في إثراء تجربة التعلم وجعلها أكثر جاذبية، لكنها لا تستطيع أن تحل محل العلاقة الحية بين الطفل والمعلم أو الوالدين.