مكتبات «جمعة الماجد للثقافة والتراث».. رفوف تبوح بحكايات أعلام بارزين

شيخة المطيري
شيخة المطيري

«قل لي ماذا تقرأ أقُل لك من أنت».. لعل هذه العبارة البليغة الجارية مجرى المثل تختصر كثيراً مما في هذه السطور، التي تضيء على نماذج من المكتبات الخاصة في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وتكشف طبيعة قراءات بعض الأعلام البارزين، الذين تركوا بصمة مؤثرة في الثقافة العربية، وتضيء على إدراك الكيفية، التي صنعت تلك العقول المبدعة؛ لتكون طريقتهم في التفاعل مع الكتاب خير دليل للأجيال الناشئة على تلمُّس خطوات مسيرتهم المشرقة.

وأكدت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري، رئيسة قسم الثقافة الوطنية والوثائق في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، لـ«البيان» أن وجود المكتبات الخاصة في المركز بدأ من فكرة دعم وجود المركز من قبل العلماء والباحثين ومقتني الكتب في العالم العربي عموماً، والمتعاملين المباشرين.

مشيرة إلى أن حقبة التسعينيات شهدت اهتماماً من الأفراد وورثتهم بإهداء مكتباتهم إلى المركز، ثم تطور الأمر بمبادرة مؤسسات، مثل مكتبة مسرح الشارقة الوطني، وجمعية نهضة المرأة الظبيانية وغيرهما، إلى الخطوة ذاتها.

وقالت: «إن كثيراً من المراكز الثقافية تعمل على تذويب المكتبات الخاصة ضمن مقتنياتها، لكن رؤية جمعة الماجد كانت مختلفة بأن الشخص الذي تعب في جمع الكتب وانتقائها بعناية يجب أن يكون اسمه علامة بارزة على المكتبة، التي أهداها إلى المركز».

ولفتت إلى أنه فور وصول تلك المكتبات المهداة والمشتراة إلى المركز يتم وَقْفها بأسماء أصحابها، ثم فرز محتوياتها من كتب مطبوعة، ومخطوطات، ووثائق، وصور، وتسجيلات، وترميمها إن لزم الأمر، وختمها بختم خاص يحمل اسم صاحب المكتبة، ومن ثم تحويلها إلى قسم الفهرسة.

وأضافت أن تقسيم المادة المعرفية بتلك الصورة يحقق للباحث فائدة كبيرة، بإيقافه على الكتب التي في مكتبات علماء كبار لهم عناية خاصة بالاقتناء وأثروا كتبهم بتعليقات نافعة؛ فمثلاً الاطلاع على نسخة من ديوان أبي الطيب المتنبي في مكتبة أحد العالمين اللغويين شاكر الفحام أو مازن المبارك أشد نفعاً للباحث في اللغة العربية من النسخ الأخرى الموجودة في المكتبات العامة.

ولفتت شيخة المطيري، التي أهدت مكتبتها الخاصة إلى المركز بعد إتمام رحلة عمل بلغت 21 عاماً، إلى أن إهداء المكتبات الخاصة ممن هم على قيد الحياة إلى المركز لا يعني انقطاعهم عن اقتناء الكتب في بيوتهم؛ لأن عملية الاقتناء تظل متواصلة حتى بعد الإهداء، كما أنه من الممكن أن يهدي شخص ما جزءاً من مكتبته لا جميعها، كما فعل ذلك الدكتور يوسف شراب المتخصص في علم الاجتماع.

وكشف قصي خليل، أمين المكتبات في المركز، لـ«البيان» جوانب مهمة في عملية الحفاظ على نسخ الكتب النادرة، التي تزخر بها المكتبات الخاصة في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، موضحاً أن ثمة معايير دقيقة تتم مراعاتها عند تحويل الكتب الورقية إلى مرقمنة داخل معمل مخصص لذلك؛ حيث تكون الأولوية للنسخة الوحيدة والكتاب القديم.

وخلال جولة بين رفوف المكتبات الخاصة في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث التي تزيد على 140 مكتبة، كان لـ«البيان» وقفة أمام مكتبة الشاعر المؤرخ محمد شريف الشيباني، المتوفى سنة 1998م، الذي كان يعمل أميناً لإحدى المكتبات، ولديه إصدارات تربو على 20 كتاباً.

وتؤكد شيخة المطيري أن الشيباني خلَّف تركة متنوعة من الكتب، التي يظهر فيها الاهتمام بالشعر والتاريخ على وجه الخصوص، إضافة إلى الوثائق المتعلقة بالمكتبات. وتتميز مكتبته بأنها تكشف جانباً مهماً من تاريخ القراءة في دولة الإمارات؛ إذ توضح لنا كيف كان الإماراتي قديماً يقرأ، ومن أين كانت تأتيه الكتب، الأمر الذي يُظهر أن المنطقة لم تكن منقطعة ثقافياً عن العالم الخارجي.

حمد خليفة بوشهاب

وتحكي شيخة المطيري كيف أسهمت في فرز مكتبة الشاعر الإماراتي حمد خليفة بوشهاب، التي أهداها إلى مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث عام 2000م، وذلك ضمن فريق ضم تلاميذه، الذين كان يُشركهم في قراءاته، موضحة أن مقتنيات الشاعر الكبير، الملقب بـ«الهزار الشادي»، تحفل بتفاصيل دقيقة عن الطريقة التي كان ينتهجها في القراءة.

نزار قباني

ووسط تلك المكتبات، تمثل مكتبة محمَّلة بدواوين الشاعر السوري الراحل نزار قباني، الذي قدِم إلى دبي عام 1994؛ لتكريمه بجائزة سلطان بن علي العويس، أي قبل وفاته بأربع سنوات. وتقول شيخة المطيري:

«اصطحب سلطان العويس نزار قباني إلى مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، خلال زيارته إلى دبي، فأُعجب بكل ما رآه، وتساءل: هل كتبي موجودة؟ وبعد البحث عُثر على جزء يسير من مؤلفاته». وتضيف: «حينها قرر نزار أن يرسل كل مؤلفاته إلى المركز بعد سفره إلى لبنان، ومن تلك اللحظة خصصت إحدى المكتبات لمؤلفاته».

جميل صليبا

وتتفرد مكتبة الدكتور جميل صليبا، العالم اللغوي السوري عضو مجمع اللغة العربية، المتوفى سنة 1976، بين مكتبات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، بأنها تشتمل على وثائق تكشف آلية عمله بالإذاعة، هذا إلى جانب كتب الأدب.