الدكتورة موزة عبيد غباش إحدى الشخصيات البارزة في المشهد الثقافي والاجتماعي في دولة الإمارات، تمثل رمزاً للإبداع الفكري والتفاني في خدمة المجتمع، تحمل بين جوانحها شغفاً عميقاً بالعلم والثقافة، انعكس على مسيرتها العلمية المتميزة، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة القاهرة بامتياز مع مرتبة الشرف، فشغلت منصب رئيسة قسم علم الاجتماع وأستاذة علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات وتشغل حالياً منصب رئيسة اللجنة الدائمة لشؤون المجتمع بالمجلس الأعلى للأمن الوطني.
كرّست الدكتورة غباش حياتها لتعزيز الحراك الثقافي والاجتماعي، من خلال تأسيسها وإدارتها لرواق عوشة بنت حسين الثقافي الذي أصبح منارة للإبداع في دبي منذ 1992، وبصفتها رئيسة لجمعية الدراسات الإنسانية، كانت لها إسهامات كبيرة في تعزيز الفكر النقدي والبحث العلمي، إضافة إلى دورها في دعم الأسرة والمرأة الإماراتية وتفعيل مشاركتها في مختلف المجالات. بين كتبها وأبحاثها ومقالاتها الأسبوعية في جريدة «البيان»، تظل صوتاً قوياً يعكس رؤية الإمارات نحو مستقبل مزدهر يرتكز على العلم والثقافة والتراث.
«البيان» حاورت الدكتورة موزة غباش حول الاقتصاد الإبداعي ومختلف ميادين العمل الثقافي، حيث أكدت في حديثها أن الثقافة جوهر وركيزة أساسية في مكون القوة الناعمة لدولة الإمارات.
كيف تقيّمين طبيعة التطور المتحقق في ميادين العمل الثقافي الإماراتي بوجه عام، وفي دبي بشكل خاص؟
لا بد من أن نذكر أن الإمارات باتت تمثل نموذجاً ملهماً في مسار التطور الثقافي والإبداعي على المستوى العالمي، حين نتحدث عن الإمارات، فإننا لا نستطيع إغفال تلك الرؤية العميقة والحكمة السديدة التي قادت هذا الوطن إلى أن يصبح محوراً فكرياً يزخر بالإبداع، وواحة فكرية وإبداعية عالمية متفردة، حسب الرؤية الحكيمة التي أرساها المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. حيث كان يؤمن بأن «بناء الإنسان هو الأساس الحقيقي لنهضة أي أمة»، وأن الثقافة والتعليم هما الركيزتان الأساسيتان لهذا البناء. وكما قال، «إن تعليم الناس وتثقيفهم في حد ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي». فأدرك مبكراً أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأمثل، وأن التنمية الحقيقية تأتي من تمكين الأفراد عبر العلم والثقافة.
الثقافة في الإمارات لم تكن فقط مساحة للإبداع أو الفن، بل هي مشروع وطني ارتكز على رؤية المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حيث جُعلت الثقافة والتعليم حجر الزاوية في مسيرة التنمية الشاملة. ونحن اليوم نعيش ثمرة تلك الرؤية، حيث أصبحت الإمارات نموذجاً يُحتذى به في كيفية توظيف الثقافة كأداة لبناء الإنسان، وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية. وعلى هذا النهج، وحالياً، في ظل توجيهات ودعم القيادة الرشيدة، فإن ما نشهده اليوم هو ثمرة سنوات من العمل الجاد لتأسيس بنية ثقافية راسخة ومتينة، تجعل من الإمارات منارة عالمية للثقافة والإبداع.
في دبي تحديداً، أرى أن الحراك الثقافي يشبه نبض القلب المتسارع، حيوي ومتجدد على الدوام، المدينة استقبلت مبادرات مدهشة، مثل «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، التي تستهدف بحلول عام 2025 أن تكون دبي العاصمة الإبداعية للعالم. ولعل ما يميز هذه الاستراتيجية هو إيمانها العميق بأن الثقافة ليست مجرد ترف، بل هي اقتصاد قائم بذاته، يقوم على الابتكار وتوفير بيئة خصبة تحتضن كل مبدع وفنان.
ما طبيعة الدور الذي تلعبه الثقافة في الحراك المجتمعي ومستويات التقدم والتطور في دبي والإمارات بوجه عام في الصدد؟
الثقافة في الإمارات ليست مجرد عنصر إضافي في نسيج المجتمع، بل هي شريان حياة ينبض بالتجدد والإبداع، يعزز الهوية الوطنية ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعلى مدار السنوات، لعبت الثقافة دوراً جوهرياً في تشكيل وعي المجتمع، في تأصيل القيم، وفي فتح آفاق جديدة للتفكير والتواصل بين مختلف أطياف الناس.
وأرى أن الثقافة في الإمارات تتجلى في حفاظها العميق على التراث، وفي الوقت ذاته احتضانها للتنوع والانفتاح على العالم.
بالنسبة للاقتصاد الإبداعي، فقد أصبح ركيزة أساسية، ليس فقط من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام، بل أيضاً لخلق فرص جديدة للأجيال الشابة. مشاريع مثل حي دبي للتصميم تسهم في جعل الثقافة والإبداع محركاً اقتصادياً قوياً، يوفر فرص العمل ويعزز السياحة الثقافية. وعلى الصعيد الاجتماعي، يمكننا القول إن الثقافة تسهم بشكل أساسي في تعزيز التماسك الاجتماعي، فهي توفر منصات للحوار والتفاعل بين مختلف مكونات المجتمع. الإمارات بحكم تنوعها الثقافي، باتت نموذجاً حياً للتعايش بين مختلف الجنسيات والثقافات.
هل غدا العمل الثقافي والإبداعي في الإمارات، بحق، ركيزة أساسية للقوة الناعمة، وهل بمقدور دولة الإمارات الاعتماد عليها في دعم جهودها وحضورها ومكانتها عالمياً؟
بلا شك، أصبحت الثقافة في الإمارات ركيزة أساسية للقوة الناعمة، وواحدة من أهم أدوات الدولة لتعزيز حضورها العالمي ودعم مكانتها على الساحة الدولية. الإمارات، منذ سنوات، تبنت رؤية واضحة ترتكز على أن الثقافة ليست مجرد مجال للإبداع فحسب، بل هي وسيلة مؤثرة لبناء جسور التواصل بين الشعوب وتعزيز التفاهم والتسامح. هذا الاهتمام بالثقافة يمتد ليشمل تعزيز الهوية الوطنية أيضاً، ولي كتاب منشور بعنوان «هويتي» اطلع عليه معظم جيل القادة من الشباب الإماراتيين، وكان له دور مهم في تعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بها، وتقديمها كجزء من المشهد الثقافي العالمي.
بناءً على كل هذه الجهود، نستطيع القول بكل ثقة إن الإمارات قد نجحت في جعل الثقافة ركيزة أساسية لقوتها الناعمة.
ما العقبات والتحديات وكذلك المحفزات في ميدان الحراك الثقافي في دولة الإمارات؟ وكيف يمكن تعزيز وتفعيل أهميتها ومكانتها أكثر؟ أي السبل فاعلة وممكنة؟
عندما نتحدث عن ميدان الحراك الثقافي في الإمارات، لا يمكننا إنكار أن هناك تحديات تواجه هذا القطاع، رغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت على مدى السنوات. ولكن، كما في أي مجال، فإن العقبات تأتي دائماً جنباً إلى جنب مع المحفزات التي تدفعنا إلى الأمام. من أبرز التحديات التي قد تواجه المؤسسات الثقافية التحدي المالي، على الرغم من الدعم الحكومي، إلا أن بعض الجمعيات والمراكز الثقافية قد تجد صعوبة في تأمين الموارد المالية المستدامة لتنظيم فعالياتها وبرامجها. كذلك، هناك تحديات تنظيمية تتعلق بالتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في المشهد الثقافي، وهذا قد يؤثر في فعالية المبادرات والأنشطة.
التحدي الآخر هو التكنولوجي؛ ففي ظل التحولات الرقمية السريعة، أصبح لزاماً على المؤسسات الثقافية مواكبة العصر وتقديم محتوى ثقافي يتناسب مع الواقع الرقمي. وهنا تكمن الحاجة إلى ابتكار طرق جديدة للوصول إلى الجمهور باستخدام التكنولوجيا.
أما على الجانب الاجتماعي، فقد تكون هناك فئات في المجتمع تواجه صعوبة في الوصول إلى الفعاليات الثقافية، إما لأسباب جغرافية أو اقتصادية. هذا يتطلب من المؤسسات الثقافية التفكير في حلول تضمن وصول الثقافة إلى كل فرد في المجتمع.
لكن في المقابل، المحفزات عديدة؛ فالدعم الحكومي هو الأساس، حيث إن القيادة الإماراتية تولي تعزيز الحراك الثقافي اهتماماً كبيراً. التنوع الثقافي في الإمارات هو أيضاً من أهم المحفزات. ولا ننسى البنية التحتية المتطورة التي توفر بيئة خصبة للإبداع.
لتعزيز هذا الحراك وتفعيل مكانته بشكل أكبر، أرى أن التعاون بين المؤسسات الثقافية والقطاع الخاص أيضاً يجب أن يكون أعمق وأكثر تنسيقاً. علينا أن نستفيد من التكنولوجيا الحديثة ونستخدمها كأداة لنشر الثقافة. كذلك، يجب أن نركز على التعليم والتوعية الثقافية بين الشباب. وأيضاً، لا بد من المزيد لدعم الفنانين والمبدعين والمثقفين الشباب وخاصة الكتاب الناشئين.
بالنسبة لحضور وتأثير الشباب الإماراتيين في العمل والمجال الثقافي والإبداعي.. هل تجدين شبابنا منخرطين وفاعلين وميالين للثقافة والفكر والإبداع؟ وهل تقوم المؤسسات الثقافية بالفعل في محاولة إشراكهم في الحراك والسياسات التي توضع؟
الشباب الإماراتيون نبض المستقبل وروح الحراك الثقافي في الدولة، أرى أن هناك وعياً متزايداً بين الشباب حول أهمية الثقافة ودورها في بناء الهوية الوطنية وتعزيز مكانة الدولة على الصعيد العالمي. الكثير من المبادرات التي نشهدها اليوم تستهدف بشكل مباشر إشراك الشباب وتوجيه طاقاتهم الإبداعية نحو مجالات الثقافة والفنون. ويمكن القول إن الشباب الإماراتيين يلعبون دوراً متزايداً في المجال الثقافي، بفضل الدعم الكبير من المؤسسات الثقافية والحكومية.
هل نجحت النتاجات الأدبية الإماراتية، بصنوفها كافة، في تبوّؤ مكانة رفيعة؟
يمكن القول إن النتاجات الأدبية الإماراتية قد نجحت في تبوّؤ مكانة رفيعة على الصعيدين المحلي والدولي. ما شهدته الساحة الأدبية في الإمارات في السنوات الأخيرة هو تطور لافت، يعكس غنى وثراء المخزون الثقافي والفكري الذي يزخر به هذا البلد. الجوائز الأدبية التي تُمنح في الإمارات، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة البوكر العربية، لعبت دوراً كبيراً في دعم الكتاب والمبدعين، وتحفيزهم. أيضاً، ترجمة الأعمال الأدبية الإماراتية إلى لغات أخرى، مثل الإنجليزية، كانت من العوامل المهمة في نشر الأدب الإماراتي عالمياً. لا يمكننا إغفال الدعم الكبير الذي تقدمه المؤسسات الثقافية في الدولة، مثل هيئة الثقافة والفنون في دبي ومؤسسة الإمارات للآداب، اللتين توفران منصات مهمة للكتاب والمبدعين.