نجحت الملتقيات الإبداعية التي تزدهي بها دبي في تغيير الصورة النمطية للمشهد الثقافي المعتاد، وذلك عندما أزالت كل الحواجز التي تعوق التفاعل الحقيقي بين المبدع والمتلقي، ومن ثم انتهت أسطورة المثقف الذي يطلُّ على جمهوره من برجه العاجي، لينشأ حوار فكري جديد ينتشي بأنفاس الحرية، ويعبق بأريج الروعة والجمال.. وببانورمام الفضاءات الإبداعية الحافلة برمزيات ثقافات العالم المتنوع، المبسطة والفريدة.. والقريبة من جميع المتلقين.
وخلال الفعاليات المتزاحمة التي تحفل بها أجندة دبي الثقافية، وجدت الفئات المختلفة من أطياف المجتمع مساراتها المحببة للمشاركة في هذا الزخم الإبداعي، لتغدو الممارسة الثقافية عادةً اجتماعية، وجزءاً أصيلاً من تفاصيل الحياة اليومية.. ومن بين ذلك البرامج الفكرية والأدبية المتنوعة التي تنظمها مكتبة محمد بن راشد، علاوة على معرض آرت دبي وأسبوع دبي للتصميم وسوى ذلك من العفاليات.

تحوُّل مهم
وأكدت عزة بنت سليمان، عضو سابق في المجلس الوطني الاتحادي، مؤسِّسة «شرفة القراءة»، لـ«البيان»، أن الإمارات شهدت خلال السنوات الماضية تحولاً مهماً في العلاقة بين الكتَّاب والمبدعين والمجتمع، مشيرة إلى أن الثقافة لم تعد حكراً على النخبة، بل أصبحت متاحة للجميع من خلال الفعاليات والمبادرات التي تسهم في دمج الفكر والثقافة بالحياة اليومية.
وأوضحت عزة، التي ناقشت أخيراً أحد الكتب القيّمة خلال جلسة حوارية في مكتبة محمد بن راشد بدبي، أن العديد من الكتَّاب اليوم يشاركون في جلسات نقاشية مفتوحة، وورش عمل، ومنصات رقمية تتيح التفاعل المباشر مع الجمهور، ما يعزز الوعي الثقافي ويجعل الكتابة أكثر ارتباطاً بالقضايا المجتمعية، لافتة إلى أن توافر برامج دعم الأدب والترجمة ساعد على وصول الإبداع الإماراتي إلى نطاق أوسع، ما عزز تفاعل الكتَّاب مع المجتمع.
وقالت: «من الأمثلة على المبادرات التي توفر مساحة للنقاش الثقافي والتفاعل مع الكتَّاب والمبدعين مبادرتنا «شرفة القراءة» التي تسهم في خلق بيئة حيوية تُقدّر الحوار الفكري، وتعزز التقارب بين الفكر والمجتمع».

من جانبه، أكد الفنان التشكيلي السوري أكثم عبدالحميد أن ملتقيات النحت التي تحتضنها دبي وتقام أمام جماهير الفن تشكّل فرصة مهمة لتعرُّف أفراد المجتمع إلى آلية إنجاز العمل النحتي وكيفية صناعة التمثال، مشيراً إلى أن المتلقي لا يمكنه إدراك أبعاد العمل الفني إلا من خلال تلك المبادرات والمعارض التي تصنع تفاعلاً حقيقياً بين المبدع والجمهور.
ونوَّه عبدالحميد، الذي كان أحد الفنانين المشاركين أخيراً في ملتقى دبي للنحت بتحفة فنية تحت عنوان «تراكم ثقافي»، بأهمية أن يتابع المشاهد العادي ميدانياً مراحل تطور الأعمال الحجرية وتشكُّلها وهي تأخذ مسارها الجمالي الأخير، موضحاً أن ذلك يوسِّع ثقافة المجتمع بالفنون.
وذكر أن أول زيارة له إلى الإمارات كانت عام 2005 عندما دُعي إلى المشاركة في ملتقى النحت الدولي بدبي، الذي ضمَّ عدداً ضخماً من فناني العالم بلغ نحو 45 نحاتاً، وأنه حصل حينها على المركز الثاني، مؤكداً أن تلك الزيارة تركت في نفسه انطباعاً جميلاً تجاه المناخ الإبداعي في الإمارات.