عمار علي حسن: على المثقفين ملء مساحات «التواصل» بالمحتوى المعرفي

  القاهرة - محمود المهدي

في عالم الفكر والأدب العربي، يحتل الكاتب المصري عمار علي حسن مكانة بارزة كواحد من الكتاب والأدباء المعاصرين. يتميز بقدرة إبداعية فريدة جعلته يحظى بإشادة النقاد والجماهير على حد سواء. مسيرته الأدبية الغنية تلامس جوانب عدة من الإبداع، حيث نجح في المزج بين الأدب الروائي والتحليل الثقافي والاجتماعي والسياسي، ليقدم أعمالاً تلقي الضوء على قضايا المجتمع المصري والعربي.

في هذا الحوار مع «البيان»، نستعرض بعضاً من ملامح رحلة عمار علي حسن مع الكتابة، وما ألهمه لإنتاج هذا الكم من الأعمال الإبداعية، التي تجاوزت الستين كتاباً، منها العديد من الروايات المهمة مثل «حكاية شمردل» و«جبل الطير» و«صاحب السر». وتكللت مسيرته بعديد من الجوائز والتكريمات، مثل جائزة الدولة للتفوق وجائزة الشيخ زايد، وكيف تضفي أعماله فهماً عميقاً للواقع العربي واهتماماً بقضايا الروح والفكر؟

عقبات ونقاط تحول

صدر أول كتاب له عام 1997، وكان أطروحته للماجستير عن «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر»، تلاه إصدار أول مجموعة قصصية عام 1998 بعنوان «عرب العطيات»، وفي خضم هذا، كانت فرصة العمل بمركز أبحاث وبالصحافة بمثابة نقطة تحول إضافية لا يمكن تجاهلها في مسرته.

يستعرض عمار أبرز التحديات التي واجهته في بداياته، كانت فرص النشر تمثل العقبة الكبرى، وتعرض للعديد من الإحباطات التي دفعت بعض الكتاب إلى اليأس وترك الكتابة أو التوقف بعد محاولات محدودة. لكنه، على العكس.

واجه هذه الصعوبات بإصرار، ملتزمًا بشعار «الجدية والإجادة والتجديد»، كما أن كل فكرة جديدة تطرأ على ذهنه تحدياً كبيراً يتطلب الجدية والعزيمة، يُظهر عمار كراهيته لمن لا يتقن عمله، لاسيما أنه تفرغ للكتابة منذ ثلاثة عشر عاماً، ويحرص دائماً على استقلال رأيه.

أزمة الثقافة والمثقف

يرى المفكر عمار علي حسن أن المثقف العربي يعيش في مجتمعات تعاني من أزمات عميقة تعوق دوره المفترض. فهو يعاني من استقطاب حاد بين متطلبات الأيديولوجيا وضغوط الاحتياجات المادية، مما يؤدي إلى تقليص تأثيره ودوره في المجتمع. إضافة إلى ذلك، تُعاني الثقافة في العالم العربي من مظهرية سطحية، حيث تُعامل كزينة اجتماعية أكثر من كونها وسيلة للتنمية والتقدم.

ويؤكد عمار أن الخروج من هذه الأزمة لا يتطلب فقط مقترحات فردية، بل يحتاج إلى جهد مؤسسي منظم يدعمه المثقفون، الذين عليهم أن ينحازوا إلى الحقيقة ويسعوا لتعزيز قيم الحرية والعدالة والخير.

ويرى أن هذه المهمة قد تبدو صعبة في ظل الظروف القاسية التي تجعل البعض يتنازلون عن دورهم في توجيه المجتمع نحو التغيير الإيجابي، لكنه يؤمن بأن المثقف يستطيع أن يستعيد مكانته ويؤدي دوره المنشود إذا أخلص للحقيقة وحفّز الناس نحو الأفضل.

يحمل عمار المثقف العربي مسؤولية جزئية عن تدهور الثقافة في مجتمعه، مشيراً إلى أن المثقف، إن أدرك دوره الحقيقي وسعى إليه بجدية، كان من الممكن أن يصبح حاجزاً أمام هذا التدهور. يرى أن على المثقف أن يعمل على توحيد الجهود بين زملائه بهدف تحقيق المتعة الجمالية والمنفعة الفكرية، إضافة إلى تعزيز التفكير العلمي في المجتمع.

إلا أن حسن يشير إلى أن المثقف اليوم غالباً ما يكون «مستلباً»، غير قادر على مقاومة القوى التي تُسلبه دوره، ويظل في حالة انسحاب تدريجي، تاركاً وراءه فراغات تملأها منتجات معرفية سطحية واستهلاكية. هذه المعرفة الاستهلاكية، بحسب عمار، لا تخدم سوى الغرائز، وتُسهم في تدهور الذوق العام وتغييب الناس عن إدراك سبل التحرر والتقدم الفكري والاجتماعي.

الثقافة والسياسة والرقمنة

في حديثه عن العلاقة بين الثقافة والسياسة، يشير الكاتب المصري إلى دراسة سابقة نشرها بعنوان «هل تصلح الثقافة ما أفسدته السياسة؟». في هذه الدراسة، يؤكد أن الإبداع والتفكير في العالم العربي لا يجب أن يظل رهيناً بمواقف الأنظمة السياسية.

بل على العكس، يجب أن تلعب الثقافة دوراً فاعلاً ومستقلاً في توحيد الشعوب العربية وتأسيس جسور قوية من المحيط إلى الخليج، تتجاوز العيوب والانقسامات التي تسببت فيها السياسة.

ويرى عمار أن الثقافة قادرة على معالجة العديد من التشوهات الاجتماعية والسياسية التي صنعتها الحكومات، شريطة ألا تتغول السياسة على الفكر والثقافة. في هذا السياق، تعتبر الثقافة أداة قوية للتواصل والتفاهم بين الشعوب، تستطيع أن تكون عاملًا للوحدة والتقدم، بعيداً عن الأجندات السياسية التي غالبًا ما تؤدي إلى التفكك والانعزال.

ويحذر حسن من التأثيرات السلبية المحتملة للتحول الرقمي على الأدب العربي، مشيراً إلى أن المجتمعات العربية، التي لم تصل بعد إلى الحداثة الحقيقية، قد تواجه تحديات أكبر في مواجهة هذا التحول. يرى عمار أن الأدب يقوم على الجماليات وإشباع الروح، بينما التكنولوجيا تهتم بالمادة، إلا أن هذا لا يعني أن الأدب والتكنولوجيا في تصادم دائم.

ويشير إلى أن التكنولوجيا قدمت للأدب العربي قضايا وأساليب جديدة، مثل موضوعات الاغتراب والإيقاع الحياتي السريع، بالإضافة إلى إتاحة فرص أوسع للأدباء للوصول إلى جمهور عالمي عبر الإنترنت، سواء من خلال الكتاب الإلكتروني أو المسموع..

ومع ذلك، يشير إلى أن التحول الرقمي أدى أيضاً إلى بروز أشكال تعبير جديدة، مثل القصص المحكية، الكوميكس، والألعاب الإلكترونية، ما جعل الأديب ينافس شخصيات أخرى مثل المدونين واليوتيوبرز الذين يجذبون المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في ظل هذه التحولات، يعتقد عمار أن الأدب يجب أن يتكيف مع هذه المستجدات مع الحفاظ على جوهره كأداة تعبير جمالي وروحي، حتى في ظل ازدهار التكنولوجيا والأشكال التعبيرية الجديدة.

منصات ثقافية جديدة

وفي إطار حديثه عن دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في دعم الثقافة العربية، يشير الكاتب عمار علي حسن إلى أهمية أن يملأ المثقفون الفراغ الذي تتركه وسائل التواصل الاجتماعي بمحتوى ثقافي غني وذي معرفة عميقة، بدلاً من السماح للتفاهات بالسيطرة على الساحة. ويعتبر أن إنشاء منصات ثقافية جديدة سيكون ضروريًا لتعزيز الإنتاج الفكري والفني في العالم العربي.

كما يسلط عمار الضوء على أن المجتمعات العربية تمتلك مبدعين يتفوقون في إمكانياتهم على نظرائهم في العالم، ولكن عملية الترجمة غالباً ما تعزز الصور النمطية السلبية عن العرب. ويعتبر حاجز اللغة أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تهميش الثقافة العربية، بالإضافة إلى النظرة الاستشراقية السائدة.

وفي ختام حديثه، يكشف عمار عن مشاريعه الأدبية المقبلة، بما في ذلك روايته الملحمية «ملحمة المطاريد» التي تتكون من ثلاثة أجزاء، وكتابه «أبواب الأذى»، الذي يتناول الأخطار التي تواجه المجتمع المصري حالياً.