تغيرات وملامح كثيرة، جديدة، شهدتها حالياً، خريطة المسلسلات الكرتونية الموجهة إلى الأطفال، التي تقدم عبر شاشات التلفزيون، أو تبث عبر الشاشات والوسائط الإلكترونية الأخرى المتعددة، ذلك في معظم الدول العربية، ومن بينها مصر بشكل بارز، إذ نجد، وكما يؤكد نقاد ومتخصصون، أنها باتت تحضر بمستويات وحجوم محددة متواضعة، وربما خجولة أحياناً، بموازاة واقع، كونها تفتقر سمات التنوع والثراء المعرفي والتشويقي، الذي يكفل جعلها تحوز الشعبية الكاسحة السابقة التي حصدتها نظيراتها في سنوات خلت، مثل تلك المسلسلات الشهيرة، السابقة، التي لطالما رافقت أجيالاً كثيرة في طفولتها، وما زالت تتذكرها إلى الآن، وأبرزها: «بوجي وطمطم»، و«بكار»، حيث كانت من أبرز الشخصيات الكرتونية التي تركت بصمة لا تمحى في ذاكرتنا.
ولقد كانت دول عربية كثيرة متصدرة ورائدة في مجال تقديم العديد من مسلسلات «الرسوم المتحركة» الأطفال، وعلى رأسها مصر، ولكن الجلي أنه تراجعت هذه النوعية من الأعمال التي كانت تزخر بالإبداع والتنوع. فهل يعود السبب إلى تطور أذواق الأطفال، أم إلى تحديات تواجه صناعة الإنتاج؟..أم أن السبب الرئيس، كما يذهب معنيون كثر، يتمثل في الافتقار إلى كتاب متخصصين، وكذا تسيد المحتوى المرقمن وألعاب الفيديو، وسوى ذلك من المصادر الترفيهية العصرية الأخرى للأطفال، للمشهد؟.
«البيان» ترصد آراء المتخصصين في الشأن، مبينة مع مضامينها طبيعة الآثار التي ترتبها هذه المسألة، ومضيئة في الوقت نفسه، على سبل علاجها.
ندرة
تقول الناقدة الفنية دعاء حلمي: إن مسلسلات «الرسوم المتحركة» ستظل مثل اللغز، وحالياً تفتقر هذه النوعية من الأعمال إلى كُتاب يبدعون في كتابة أعمال للأطفال أو التاريخ.. إذ توجد أزمة شديدة في التعامل مع أدب الأطفال، الإضافة إلى الرقمنة التي باتت تحاصر مسلسلات الرسوم المتحركة.
وتضيف: البعض ما زال يتعامل مع الأطفال على أساس تسليتهم وفق نمط حكايات وسير الجد والجدة.. ومثل هذه الأفكار القديمة، ولكن الأطفال في العصر الحالي من الصعب إرضاؤهم بأعمال كرتونية تحاكي هذه الأفكار. أو حتى بأعمال مستلهمة من الكتب.
وتتابع الناقدة الفنية: أطفال العصر الحديث يتابعون مسلسلات أطفال عالمية، مثل الإنيمي والمسلسلات الكورية وغيرها، ولديهم هواتف بها تحديثات بكل ما هو جديد، وبالتالي، من الصعب إغراؤهم بمسلسلات كرتونية أخرى، ناهيك عن التكلفة الإنتاجية الضخمة لمثل هذه النوعية من الأعمال، فمن الضروري أن يتم كتابة أعمال تتلاءم مع التطور العصري لهذا الجيل، ولكن لا يوجد لدينا كتاب متميزون في ذلك.
القطاع الخاص
بدورها، ترى الناقدة ماجدة موريس، أن مهمة إنتاج مسلسلات الرسوم المتحركة يتولاها حالياً القطاع الخاص، من خلال ظهور بعض البرامج التي تخاطب الأطفال على القنوات الفضائية، ولكن لا تهتم هذه الفضائيات بإنتاج مسلسلات كرتون ناجحة، على غرار بوجي وطمطم أو كابتن ماجد ومازنجر، وليس ذاك في قائمة اهتمامات المعنيين، خاصة أن العائد المادي هو الهدف الأساسي الذي تفكر فيه الفضائيات.
وبينت موريس ذلك في تصريحات إعلامية لها في هذا الصدد، أن تجربة بكار وبوجى طمطم كانت ناجحة، ولكن من الصعب أن يتبنى القطاع الخاص هذه الفكرة، خاصة أن هذا النوع من الأعمال يحتاج منتجاً جريئاً، وجهازاً كبيراً يدعمها.
بيئة محفزة للإنتاج
الناقد رامي المتولي يلفت إلى أن الإنتاج في هذا النوع من الأعمال، أصبح نادراً في الآونة الأخيرة، رغم الجهود الحكومية المكثفة، والجدية لإنتاج محتوى تعليمي للأطفال، مثل مسلسل «يحيى وكنوز»، الذي عُرض في المواسم السابقة.
ويشير إلى أن غياب مسلسلات الأطفال هذه يعود بشكل رئيس إلى نقص الكُتاب المتخصصين، الذين يتمتعون بقدرة فريدة على التعبير وبناء القصص بطريقة تلبي احتياجات الأطفال، بما في ذلك التفاصيل الدقيقة للشخصيات والرسومات.
ومع ذلك، يلاحظ المتولي بداية نشاط ملحوظ في هذا المجال، بفضل اهتمام الكُتاب في التبحر والتخصص بحقول أدب الأطفال، وهو ما يُعدّ خطوة إيجابية نحو تعزيز هذا النوع من المحتوى. ولكنه يطالب في الوقت عينه، بتوفير بيئة محفزة لإبداع هذه النوعية من الأعمال التي تؤثر في شخصية الأطفال.. لافتاً إلى أن مسلسلات: «قصص الأنبياء» و«قصص الإنسان في القرآن» و«قصص الحيوان في القرآن»، كان لها دور كبير في توصيل أفكار مفيدة للطفل.