يواصل برنامج «الراوي»، الذي يقدمه المستشار والمؤرخ جمال بن حويرب على شاشة تلفزيون دبي التابع لـ«دبي للإعلام»، مسيرة تألقه في هذا الموسم الرمضاني، مرسخاً مكانته الثقافية والمجتمعية والإعلامية، النوعية، التي استطاع رسم ملامحها بجدارة بفضل طبيعة إضاءاته والمعلومات التي يشتمل عليها والقامات الفكرية والمجتمعية والاقتصادية والسياسية والإبداعية العامة، التي يستضيفها، ليسرد عوالم وقصصاً وحكايات ووقفات تاريخية، توثق لمسارات ومراحل تطور مجتمعاتنا العربية خلال المئة عام الأخيرة، وتروي حيثيات غنى ثقافتنا وتميز قيمنا وأهلية أبناء مجتمعاتنا في الحقول المتنوعة.
ويستحضر بن حويرب في مضامين حلقات البرنامج في هذا العام، وكما عادته، مواضيع وأحداثاً وسيراً ووجوهاً وأعلاماً، تحوز كبير القيمة والمنزلة، كونها شكلت أسساً ومصادر ملهمة لإثراء مجالات الحياة في الدول العربية، بموازاة رفد جوانب النهضة والتقدم فيها والتأسيس لدعائم ومفاهيم الدولة الحديثة، وذلك من خلال جملة مكتسبات ونجاحات ومنجزات وأعمال ملهمة نتجت بفعلها، أسهمت في نهاية المطاف بنهضة دولنا.
«البيان»، تضيء في هذه المقابلة مع مقدم البرنامج، المستشار والمؤرخ جمال بن حويرب، على طبيعة مرتكزات البرنامج وأهميته وأدواره الفكرية والمجتمعية والوطنية، حيث أكد في حديثه، أن «الراوي» يمثل الموسوعة التلفزيونية التاريخية الأكبر في العالم.
وتابع: ليس هنالك في أي بلد مثل هذا العمل الذي ضم جمعاً بهذا الاتساع، من المواضيع وعدد الحلقات التي قد تكون اقتربت من عدد خمسمائة حلقة، كما أنه يعد ضخماً وثرياً وملهماً من حيث أسماء الشخصيات والأعلام والمواقع والأحداث والمؤسسات، التي أضاء عليها وتطرق إليها، إضافة إلى الصحف والمجلات والكتب والمؤلفات.
إن القائمة التي تضمنها البرنامج في هذا الصدد، هي الأكثر والأكبر بالعدد والتنوع.
أهداف جوهرية
وانطلاقاً من تعريفه بقيمة ودور البرنامج، عبر بن حويرب عن أهمية أن تكون هناك موسوعة تلفزيونية متخصصة بالتاريخ، لافتاً إلى أهمية وتوقيت بث «الراوي» خلال الشهر الفضيل، لما لرمضان من مكانة روحية وإيمانية، رفيعة، وكذلك من منزلة ثقافية عالية. وأشار إلى أن الشهر الكريم كتاب مفتوح نقرأ فيه أنفسنا، وهو شهر يقوّم خطواتنا، ويصحح سلوكنا، ويعالج أرواحنا، لذا فحكاياته ومحطاته فيها من الغنى ما يلبي حاجة كل إنسان.
وأوضح جمال بن حويرب أن الأهداف الرئيسة والرؤى الجوهرية التي ينطوي ويقوم عليها البرنامج، لعبت دوراً في نجاحه، وأضاف: «حينما بدأت «الراوي»، قررت أنه سيلبي حاجة كل إنسان من المعلومات حول وطننا العربي منذ ما يقارب المائة سنة إلى الآن، ولا توجد أحداث مهمة وقعت في العالم العربي أو شخصيات أو خلافه، لم يتحدث عنها «الراوي» خلال هذه الحقبة الزمنية التي ارتأيت أن مئة عام كافية لاختصارها.
إن الفترة الزمنية التي يتعامل معها «الراوي»، محددة وقصيرة نسبياً كما أنها حديثة، فهي تنحصر في المئة عام الماضية، والتي رسمت واقعنا اليوم، وهي ما يتوجب استذكاره واستحضار وقائعه لنفهم أنفسنا ومحطات تشكلنا وواقعنا، وأهمية هذه المدة الزمنية، التي تشكل قرناً من الزمان، تكمن في أنها الفترة التي شهدت قيام العالم العربي بكل مجموعاته وشعوبه وخياراته بشأن التشكل العصري والكياني على مستوى الدول، وكان فيها تجارب مهمة منها ما نجح ومنها ما تعثر، وفيها أيضاً اندمجت الثقافة العربية مع مسار الثقافة العالمية، وهذه تجربة أنتجت ما أنتجت من الظواهر الملفتة».
محطات وفخر
يعتز جمال بن حويرب بالمحطات التي توقف فيها البرنامج عند سيرتي وإنجازات المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، مشيراً إلى أن شخصيتيهما الفذتين ملهمتين على نحو استثنائي، قائدان تفاعلت إرادتيهما فأنتجا مستقبلاً زاهراً، ونموذجاً فريداً.
كما يستذكر بن حويرب، المحطة التي توقف فيها من خلال البرنامج عند الشيخ مبارك الصباح «مبارك الكبير»، مؤسس دولة الكويت الحديثة، وواضع بنيانها، ومرسي أسسها، لافتاً إلى أنها محطة مهمة للغاية في تاريخ منطقة الخليج، وتعطي صورة عن العقل المشترك الذي ذهب إلى التحول نحو مفهوم الدولة، والانتقال إلى المستقبل بصورة عصرية.
«حكايتنا الأولى»
ولفت جمال بن حويرب إلى تركيز برنامج «الراوي» على استعراض ملامح وسمات تفرد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في الميادين المتنوعة، إذ يعرف البرنامج من خلال سياقاته المتنوعة، بقية ما تم إنجازه في الإمارات من نجاحات وأطر تقدم، مبيناً كم هو مذهل ويثير الإعجاب، وذلك بينما هناك دول أخرى كانت فاعلة وصاحبة حضور قوي في المسار الحضاري، إلا أن الرؤية غير المكتملة لم تسمح لها أن تواصل حضورها، أو أن تحتفظ بدورها.
وأضاف: تاريخنا الحديث هو حكايتنا الأولى التي تستحق الرواية، وهذه مهمة «الراوي» التي تتعلق بكل التجارب العربية على مدار مئة عام الماضية، بكل ما فيها من قصص وتاريخ وسير أعلام تمت مراجعتها وسردها عبر البرنامج.
ويحكي جمال بن حويرب عن مدى حرصه على التحضير والإعداد النوعيين لحلقات وموضوعات «الراوي»، مشيراً إلى اعتنائه بالتوسع في البحث والتفكير والتنقيب في الكتب والوثائق والمستندات والسير والحوارات، بموازاة توظيف اطلاعه الواسع، لإغناء موضوعات الحلقات وخروجها بما يليق بها من مستوى.
ويتابع: البرنامج سبب حياتي كلها، فكل السنين التي قضيتها في البحث والتقصي وقراءة التاريخ والتمعن بالتراث كانت تصب في هذا الاتجاه، وأظنها خرجت عبر البرنامج، هناك في هذا المسار الذي سرته، وعبرت عنه من خلال البرنامج، الكثير من المحطات والتفاصيل التي لم يكن ينتبه لها أحد، وبرنامج «الراوي» قدم ما قدم، وتمكن حتى من إقامة علاقة بين مجتمع الإنتاج التلفزيوني والمجتمع الأكاديمي، فهناك العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، التي قد يصل عددها إلى سبعين انطلقت من البرنامج واستلهمت عناوينها ومواضيعها منه.
ملمح تميز
وأشار بن حويرب في ختام حديثه، إلى اعتنائه في موضوعات البرنامج، بأن لا يحصر نفسه بالواقع والمجال السياسي للتاريخ. وقال في الخصوص: أهتم أيضاً في التركيز ضمن «الراوي»، على استحضار الأثر الاجتماعي والتغييري، ذلك لأن الأعوام المئة الماضية في تاريخ الخليج، هي تاريخ التغيير والانتقال إلى الدولة الحديثة، الدولة النموذج، وتغيير مستمر يحرص على مواكبة العصر والاستعداد للمستقبل.