«أم كلثوم والعصر الذهبي».. توليفة ساحرة لفنون الأداء مكتملة الأركان

عرض عالمي يعيد تقديم التراث الغنائي العربي باللغة الإنجليزية
عرض عالمي يعيد تقديم التراث الغنائي العربي باللغة الإنجليزية

بعد مرور عامين على عرضه الأول على مسرح «دبي أوبرا»، لا يزال العرض المسرحي الغنائي الشهير «أم كلثوم والعصر الذهبي» محتفظاً ببريقه في الحضور المهيب لفخامة العرض والأداء بعد جولته العالمية منذ عام 2020، وعقب نجاحات عدة خلال المواسم السابقة لعرضه على مسارح دول عربية، كونه كتب بهدف إحياء التراث العربي وتاريخ الأغنية العربية، وباللغة الإنجليزية كنمط فريد من نوعه بالنسبة لفنون الأداء في العالم العربي.

ويكفي أن تبدأ القصة التي يغزل نسيجها الدرامي المتقن العديد من الأحداث الفنية والشخصية الأيقونة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ضمن مشهدية التراث الثقافي والفني للمنطقة، التي تؤمن المنتجة ومؤلفة العرض المسرحي الغنائي السعودية منى خاشقجي، أن عالمية أم كلثوم حتمية وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتكوين الإرث الثقافي الغنائي العربي ككل، ومن هنا جاءت فكرة العرض المدروسة التي توجه لقاعدة جماهيرية عريضة لغير الناطقين باللغة العربية، وقد تشمل أيضاً الجيل الحالي والمهتم بالإرث الثقافي الغنائي؛ لذلك يقدم الحوار فيه باللغة الإنجليزية، بينما تؤدى الأغنيات باللغة العربية، لحكاية مستوحاة من رحلة صعود ونجومية السيدة أم كلثوم، ولكنها أيضاً تتضمن جانباً معاصراً متخيلاً من الحبكات السردية والفنية.

تراث خالد

وأضافت منى: التراث الغنائي لأم كلثوم ضخم جداً، ويمتد على مدى طويل، متضمناً أنواعاً غنائية مختلفة من خلال الاحتفاء بعمالقة الغناء والموسيقى في عالمنا العربي، حيث بدأت من الشيخ أبو العلا محمد، وانتهت بألحان الشاب بليغ حمدي، أسألها إن كان الاختيار من ذلك التراث الغني كان سهلاً، تقول: «من الصعب تغطية كل تلك الفترة. حاولنا تغطية فترة تعاونها مع الشيخ أبو العلا لأنها مهمة جداً، ومن ثم انتقالها لمرحلة الملحن محمد القصبجي الذي كان وراء تطور فريد في غناء أم كلثوم، ثم عملها مع الملحن رياض السنباطي، مروراً بتعاونها مع محمد عبدالوهاب وبليغ حمدي مع ذكر دور الموسيقي زكريا أحمد»، وهو ما يقودنا إلى أهمية اسم العمل كقصة مكتملة الأركان.

حبكة درامية

وعلى صعيد العمل حقق نجاحاً باهراً مع نفاد التذاكر بالكامل على مدار يومين، واستقبل فريق العمل بترحاب وحفاوة منقطعة النظير، على الرغم من أن الكثير من الذين يشاهدون العرض لم تكن تلك تجربتهم الأولى، والذين أصروا على تكرار التجربة الساحرة لعرض يسرق الأضواء وينعش الذاكرة حول زم الفن الجميل والطرب الذي لا ينسى ضمن أحداث ترصد قصة صعود كوكب الشرق منذ بدايتها، من خلال توضيح قصة أم كلثوم التي حققت النجاح بمفردها في عالم الرجال، وكيف كانت تتحدى ظروف نشأتها البسيطة في إحدى قرى مصر، وتدربت على يد والدها في البدايات، وكانت تغني بملابس الرجال، إلى أن نجحت في أن تصبح أغنياتها وصوتها وأسلوبها أسطورة فنية خالدة.

ويتخلل العرض تشابك بعض الحبكات الدرامية حول علاقتها الشخصية والمهنية مع كل من محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وتحية كاريوكا التي تظهر في العرض كشخصية امرأة قوية كان لها دور في الحياة الاجتماعية والسياسية في زمنها. كذلك شخصية المطربة منيرة المهدية.

وخلال فصول العرض الغني بالتفاصيل والسينوغرافيا المبهرة تتبع القصة الملحمية التي نسجت فصولها المنتجة والمؤلفة منى خاشقجي تفاصيل رحلة السيدة الغناء العربي أم كلثوم منذ سنواتها الأولى في طريق الفن منذ العشرينيات، وصولاً إلى مرحلة تألقها في السبعينيات، كما يرصد العرض أهم المحطات في مشوارها، وصولاً لاسترجاع مشهد حفلها الكبير في مسرح الأولمبيا بباريس. وهو ما يقودنا للحظات حاسمة من العرض الباهر، والذي يتضمن الموسيقى الحية لأغنياتها من تقديم فرقة أوركسترالية كاملة تزيد من تفاعل الحضور معها، حيث يكون الجمهور من مختلف الجنسيات العربية على موعد مع إحياء تراث أم كلثوم وأغنياتها الشهيرة من خلال أصوات حية ومباشرة على المسرح.

سرد بصري

وحول قدرتها على إدارة هذا النسيج الغني من تراث الغناء العربي، وفهم العديد من خيوط الهوية المصرية والعربية المعقدة ضمن الأحداث الاجتماعية والإنسانية، وترجمتها إلى واقع ملموس، بينما تتغلب على حواجز اللغة والهوية، أكدت المخرجة برونا لوغان أنها، وعلى الرغم من أصولها الأيرلندية، اقتربت من تعقيدات الهوية المصرية والعربية بفضول واحترام عميقين.

انغمست في الثقافة من خلال بحث شامل، واستماع إلى القصص الشخصية، والعمل عن كثب مع منى وأعضاء فريقنا الناطقين بالعربية لضمان أصالة التقديم. وجدت مواضيع عالمية مثل الهوية، والمرونة، والحرية تتناغم مع تجاربي الخاصة من تاريخ أيرلندا الشمالية المعقد. هذه القواسم المشتركة سمحت لي بالتواصل مع المادة على مستوى أعمق. واستخدمت تقنيات السرد البصري لتجاوز حواجز اللغة.

رمز الوحدة

وفيما يتعلق بمشاعرها الشخصية اتجاه شخصية أم كلثوم ككل، قالت برونا: تتجذر مشاعري تجاه أم كلثوم في الإعجاب والانبهار العميق. لم تكن مجرد مغنية؛ بل كانت قوة طبيعية، رمزاً ثقافياً، يحمل صوتها آمال وآلام ومرونة الملايين في العالم العربي. بالنسبة لي، كوني من أيرلندا الشمالية، وهي مكان له تراث موسيقي غني، شعرت بالارتباط مع قدرتها على استحضار مثل هذه المشاعر العميقة والوحدة من خلال موسيقاها. هناك نوع من الجودة الخالدة، والسمو غير التقليدي، في صوتها الذي تشعر بأنه حميم وملحمي في آن واحد، تتحدث إلى الروح البشرية خارج الحدود الثقافية، قصة امرأة تجوب وتفرض الاحترام في مجتمع يهيمن عليه الرجال تلهمني بشكل خاص كمديرة.