مؤثرات الشعر الخارجية.. تفاعل جماهيري وارتباك نقدي

 المحسِّنات الإلقائية تخدم إعادة الشعر إلى الواجهة
المحسِّنات الإلقائية تخدم إعادة الشعر إلى الواجهة
 نجاة الظاهري
نجاة الظاهري
 طلال الجنيبي
طلال الجنيبي
 حسن النجار
حسن النجار
 براءة النويران
براءة النويران

في أمسيةٍ ما، يشرع شاعر في إلقاء قصيدته أمام الجماهير، فيتغنى بأبياته مستعرضاً صوته العذب، وتتناغم لغة جسده مع معاني كلماته، أو تنساب أنغامُ خلفيةٍ موسيقية لعازف ماهر، وخلال المشهد تعلو نبرات الإعجاب وآهات التأثر، بعدما امتزجت عناصر الإبداع الشعري بالمؤثرات الخارجية، والتبس سر الروعة الحقيقي.

«البيان» أتاحت المجال لبعض الشعراء والنقاد فناقشوا قضية المؤثرات الخارجية المستعملة عند إلقاء الشعر، وسلَّطوا الضوء على أسباب اللجوء إليها، ومدى نجاحها في تكثيف تفاعل الجماهير، والدور الذي يقع على عاتق الناقد في التعامل معها.

تهيئة المتلقي

ورأى الشاعر والباحث الإماراتي الدكتور حسن النجار أن لكل نص شعري مناخاً يخصه، موضحاً أن المتلقي قد لا يكون مهيَّأً للحظة إلقاء الشعر، فتأتي الموسيقى أو أي مؤثرات أخرى لتؤدي دور التعويض والتهيئة للتلقي، فتأخذ المستمع إلى عالم النص حتى يتلمَّس شيئاً من روحه.

ولفت النجار إلى أن ما يحدد مدى قدرة تلك المؤثرات على تكثيف تفاعل المتلقي مع القصيدة استعداد المتلقي ذاته لذلك، مؤكداً أن بعض المتلقين يحب الاستماع للنص دون أيٍّ من تلك المؤثرات التي يعتقد أنها خارج النص.

ووصف لحظة إلقاء الشعر بأنها لحظة استماع واستمتاع وانغماس في جمالية النص أكثر من كونها لحظة انطلاقة نقدية، مشيراً إلى أن المتلقي يخرج من تلك اللحظة بانطباع ذوقي جمالي على أقل تقدير.

وأوضح أنه من الممكن أن يدرس الناقد المؤثرات باعتبارها لمسات خارجية من اختيار الشاعر، ويبحث فيها عن أسباب الاختيار، وأن يدرس العلاقة بين الشاعر والمتلقي وطريقة عرضه للنص، معرباً عن تأييده لما يصب في مصلحة انتشار الشعر الجيد، وتقديمه بروح عصرية تحمل النص إلى أفق أوسع يليق به.

التوقيع الصوتي

وأكد الشاعر الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي أنه بدأ منذ 15 عاماً إلقاء شعره بأسلوب تنغيمي أطلق عليه «التوقيع الصوتي»، معتمداً على الموسيقى الداخلية التي تصاحب صياغة القصيدة في نفس الشاعر وتغمر ذاته.

وأوضح الجنيبي أنه فوجئ بقبول جماهيري غير عادي للفكرة التي تمثل بصمة خاصة له، مشيراً إلى أن التوقيع الصوتي ليس غناءً ولا إنشاداً، وإنما هو إخراج موسيقى النص الداخلية وتقديمها برؤية نغمية تقرِّب الشعر من أذن المتلقي الذي اعتاد سماع الأغاني والأهازيج.

ورأى أن الشعر كائن لحني إلى درجة كبيرة، مستشهداً بقول حسان بن ثابت: «إن الغناء لهذا الشعر مضمار»، ويقول إيليا أبو ماضي: «الشِّعر كالشَّعر، حسنه يحتاج إلى مشط، ومشط الشِّعر الإيقاع».

ولفت إلى أن هذه الآلية التي يتبعها في الإلقاء هي أحد المحسِّنات التي ينبغي توظيفها لإعادة الشعر إلى الواجهة، مؤكداً أن قرابة 15 دراسة نقدية تناولت قضية التوقيع الصوتي بصورة علمية، وأثبتت أن لهذه التجربة جذوراً، وأنه عمل على تطويرها وتفرَّد بها.

واستبعد أن يكون استخدام تلك الأساليب عائقاً دون الحكم النقدي المنضبط على النص، موضحاً أن الناقد الأدبي يستطيع أن يحكم على النص من خلال القراءة المباشرة بعد الاستماع إلى إلقائه بالتوقيع الصوتي.

الجمالية الإيقاعية

من جهتها، أيَّدت الشاعرة الإماراتية نجاة الظاهري ما يقوم به الدكتور طلال الجنيبي من توظيف التوقيع الصوتي في إلقاء قصائده الشعرية، واصفةً تجربته بأنها فريدة من نوعها، وأن ما يفعله لا يفعله أي شاعر آخر.

وأكدت الظاهري أن الدكتور طلال أعاد، بواسطة التوقيع الصوتي، الشعر إلى عهده الأول حينما كان الشاعر لا يلقي قصائده، بل يُنشدها إنشاداً، مشيرةً إلى أن جمالية القصيدة الموزونة في إلقائها الصوتي والتغني بها.

وأوضحت أن هذا الأسلوب يوصل الشعر إلى الناس بصورة أفضل ويكثف الإحساس بمعانيه الإبداعية، لافتةً أن غير الناطقين بالعربية قد يتأثرون بالشعر في تلك الحالة، وربما يفهمون دلالاته ويتفاعلون معها. وأوضحت أن لكل شاعر طريقته الخاصة في تلحين شعره والترنُّم به عند قراءته، وأنه لا بد من تأكيد احتفاظ الشعر بجماليته الإيقاعية، مؤكدةً أن المؤثرات الخارجية، ولا سيما التوقيع الصوتي والخلفية الموسيقية، تحقق هذا الغرض الإبداعي بصورة واضحة.

كسر النمطية

من جانبها، أوضحت الناقدة السورية براءة النويران أن الشعراء المعاصرين يلجؤون أحياناً إلى المؤثرات الخارجية لإضفاء رونق جديد على القصيدة؛ بسبب تراجع جماهيرية الشعر مقارنة بالعصور السابقة وعزوف الكثيرين عنه، مبينةً أن الهدف من وراء هذا التوجه كسر النمطية المعتادة في تلقي الشعر، إضافة إلى النثرية التي صبغت كثيراً من النصوص المتحررة من الإيقاع فبدت متشابهة إلى حد كبير، ما جعل للمؤثرات الخارجية أهمية حتى أصبحت أقوى من الكلمة نفسها.

وأكدت النويران أن المؤثرات الخارجية أساليب ناجحة في تكثيف تفاعل المتلقي مع النص الشعري في عصر سادت فيه التكنولوجيا والتطور السريع، لافتةً إلى أن المتلقي المعاصر يميل إلى اللغة السهلة التي تشبه ما يستعمله في حياته اليومية، ومن هنا تأتي قيمة تلك المؤثرات لأنها تساعده على الترنُّم مع الأشعار، ومن ثم يصبح جزءاً من القصيدة ويتفاعل معها.

ونوهت بأن الناقد الأدبي، في ظل استعمال المؤثرات الخارجية التي لا تشكِّل جزءاً أصيلاً من النص الشعري، قد يصاب بارتباك يعوق عمله في تقييم القصيدة والحكم عليها بإنصاف، موضحةً أنها لا تفضِّل أن تغلب المؤثرات الخارجية مقومات النص وتكتسب أهمية على حساب الجملة الشعرية.