«سـميّة» لوضاح شرارة.. سيرة امرأة


غلاف الرواية
غلاف الرواية

د. منير الحايك

عندما يريد المبدع أن يكتب سيرة لامرأة ما، ومن ثمّ يقرّر أن يفسح المجال لمخيّلته فيصبّ تلك الأحداث في قالب سرديّ، تأتي تلك السيرة بما ستحمله من رموز وتأويلات عميقة لتشكّل سيرة فئة كبيرة من النساء، ولعلّ «سُـميّة رميزان» (وهي شخصية متخيَّلة) بطلة رواية «سـميّة» (دار نوفل 2023) للباحث والمترجم والكاتب اللبناني وضّاح شرارة، خير دليل على هذا الأمر.

تبدأ الرواية مع سميّة العجوز، ولا تمهلنا كثيراً حتى نعود مع تلك العجوز إلى بدايات حياتها وقراراتها ومواقفها القوية وغير السائدة في عصرها، ولعلّ استخدامه للمكان غير المرجعي، واعتماد تقنية الإيهام بواقعية المكان، جعلت النصّ مساحةً لإسقاطات كثيرة ومتنوعة، فيكون للمتلقي الخيار بتلك الإسقاطات بحسب بلده وثقافته. فمدينة الرمدة، وسميّة وسيرتها، تلك المرأة التي عملت وقبضت راتباً، ولحقت حبيبها لتتزوّجه، فتركت المدينة إلى القرية، ومن ثمّ عادت إلى المدينة، ليست ككلّ امرأة عاصرت الحربين العالميتين وما بينهما وما بعدهما.

دواخل النفس
دخلت الرواية وأدخلتنا في تفاصيل التفاصيل في حياة سميّة وبحثت في دواخل النفس البشرية للمرأة في هذا المجتمع، العربي أو غيره، ولعلّ مسألة العلاقات الإنسانية التي خاضتها سميّة، الابنة والزوجة والأم والحبيبة... كانت الأساس في بناء النصّ من الناحية السردية، وهذا التركيز على حياة سميّة بوصفها رمزاً للمرأة، أبعد النصّ عمّا اعتدناه من الرواية العربية اليوم، عن التاريخ وعن اللعبة الروائية والتجريب، وعن التشويق وعن المفاجآت في نهاياتها، وهنا تكمن فرادة الرواية، حيث اشتغل صاحبها على لغتها، فكانت مطواعة، كعادته، ولكن هنا في نصّ روائي، قد يفلت من ذهنك، على قصره، إن لم تتابع حركة سميّة ومَن حولها بتركيز تام.

لم تكن سميّة بطلة الرواية الوحيدة، فبالإضافة إلى وحيد وابنها البكر ووردة وأيلا، الذين يظهرون في أول الرواية، والأخ ومن بعده الزوج وكيف حلّ ضيفاً ثقيلاً، كان لظهور شخصية نسائيّة أخرى، هي ابنة سميّة، من دون أن تطالعنا الرواية باسمها، لسبب كان غايةً بذاته، خصوصاً مع الابن «نهار» الذي اجتمع عليه أهل الحيّ ليتأكدوا منه، هذا الجزء من الرواية، جاء قاطعاً للسرد المستمرّ في الكشف داخل حياة سميّة، ليقول إنّ المرأة، الأم، وابنها، وهنا لن ندخل كما لم تُدخلنا الرواية بالهوية الجندرية، سيبقيان عرضة لتأثيرات الأب، والمجتمع الأبوي، وهو أمر سينتقل من جيل إلى آخر.

هي رواية قصيرة ولكن صعبة، يجب أن يظلّ المتلقي ممسكاً بخيوطها ويحاول جاهداً عدم فرار أحدها فيفقد معه متعة القراءة، وهذا قد يُحسب للنصّ، أو عليه، بحسب ذائقة المتلقّي من جهة، واستعداده أحياناً ليقرأ نصّاً عميقاً كهذا من جهة أخرى.