«هدنة لبنان» تتمخض استحقاقات.. تمديد عُهدة وتعجيل رئيس

غداة إعلان الرعاية الأمريكية - الفرنسية المشتركة لاتفاق وقف النار، وما تلاها من دخول اتفاقية الهدنة حيز اختبار الميدان لمدة شهرين، والتزاماً منه بالوعد الذي كان ربطه بوقف إطلاق النار، أطل رئيس مجلس النواب، نبيه بري، على اللبنانيين ليعلن الـ9 من يناير المقبل موعداً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وفي ظل بدء المرحلة الأولى من توسيع انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني، وعلى رغم استمرار تمركز القوات الإسرائيلية في عدد من قرى الحافة الحدودية، تم التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، رسمياً، بعدما أقر مجلس النواب في جلسته التشريعية العامة، قانون التمديد لرتبة عميد وما فوق لمدة عام.

ووسط الحراك السياسي المرتبط بمرحلة ما بعد الحرب وانتخاب رئيس للجمهورية، بدأ الوسيط الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، لقاءاته في بيروت، بهدف بناء توافق على الخيار الرئاسي.. وعليه، عاد ملف الأزمة الرئاسية إلى صدارة المشهد الداخلي مع عودة لودريان إلى بيروت.

أما على المقلب الآخر من الصورة، فبرزت المعالم الأساسية لاتفاق وقف النار في جملة حقائق، أوردتها مصادر سياسية متابعة بقولها لـ«البيان»، إن هذا الاتفاق أعاد الاعتبار إلى الشرعيتين اللبنانية والدولية في جنوب الليطاني، بحيث يفترض انسحاب حزب الله انسحاباً كاملاً بمقاتليه وسلاحه، فيما ينتشر الجيش وقوة اليونيفيل، ومن ثم يُنجز الانسحاب الإسرائيلي كاملاً في مهلة الـ60 يوماً.

كما أن الاتفاق، وفق المصادر نفسها، يعيد الاعتبار كاملاً لكل منطوق القرار 1701، وتفكيك كل البنى التسليحية ومنع التسليح عبر الحدود، فضلاً عن التمهيد لإطلاق مفاوضات تسوية الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

وفي الانتظار، فإن ثمة كلاماً عن أن الشهرين الكاملين اللذين انقضيا (27 سبتمبر- 27 نوفمبر) أنهيا مرحلة في تاريخ لبنان، لتبدأ مرحلة جديدة.

فالمعادلات القائمة منذ سنوات تغيرت في الـ60 يوماً الماضية، والتوازنات تبدلت، بحيث إن مشهداً جديداً بدأ يرتسم منذ بدء سريان وقف النار، وذلك بمعزل عن حسابات الربح والخسارة، ذلك أن الحكومة اللبنانية راضية وأعلنت التزامها، واللبنانيون باشروا عملية العودة للتفقد، ومن لم يُدمّر منزله فضل أن يكون إيواؤه فيه لا في أي مركز إيواء، أما الرئيس بري، فكان الأشد تهيباً للمرحلة، في الكلمة التي وجهها إلى اللبنانيين، فتحدث عن أن اللحظة ليست لمحاكمة مرحلة، بل هي امتحان لكل لبناني، فاتحاً بذلك الباب أمام جرأة المراجعة النقدية.

وقائع وأولويات

وفي الانتظار أيضاً، وبغياب أي خطة للدولة لترتيب عودة النازحين وإعادة الإعمار، فإن ثمة كلاماً عن أنه لا يزال للأيام المقبلة بقية، ولن تكون البقية على حساب الناس وحدها، لأن القرى، جنوباً وبقاعاً، وضاحية بيروت الجنوبية، ستحتاج إلى آليات رسمية لرفعها من تحت الأنقاض، وهذه الآليات تنحصر حالياً بأولويات انتشار الجيش في الجنوب، وتقديم خطة لمراحل الانتشار، تنفيذاً للقرار 1701 ومندرجاته، وسيكون على لبنان التزام البنود الـ13 الواردة في المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار، إذ حدد نص الاتفاق مهلة 60 يوماً لانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى جنوب الخط الأزرق وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني بشكل تدريجي، وتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها، إلا أن نص الاتفاق لم يلحظ مدة زمنية لتطبيق الفقرة 13 منه التي تنص على تسهيل المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان، بهدف حل النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، وبما يتفق مع القرار 1701، علماً بأن الحدود الجنوبية للبنان مرسمة ومثبتة في اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، والتي اعترفت بها إسرائيل آنذاك.

وفي حال بقيت هذه النقطة خارجة عن تحديد زمن الانسحاب من أراضٍ تحتلها إسرائيل، فإن تركها للتفاوض، وفق تأكيد مصادر لـ«البيان»، قد يستغرق وقتاً طويلاً وما خلا هذه النقطة الملتبسة بمواعيدها، فإن لبنان بدأ تطبيق بنود الاتفاق.

تحديات

والى جانب المتابعة اللبنانية لتنفيذ بنود الاتفاق، فقد حضرت فرنسا، بشخص لودريان، للإشراف على التنفيذ، ولاستطلاع الآفاق الجوية في مدار رئاسة الجمهورية، مع ما يعنيه الأمر، وفق ما يتردد، من كون لبنان سيكون أمام تحديات كبيرة، فالضغوط الدولية بدأت تظهر من خلال تصريحات عدة، تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية وفق معايير معينة، وهو ما تواكبه الدول المعنية واللجنة الخماسية الدولية والعربية، ذلك أن جزءاً أساسياً من الشروط سيكون مرتبطاً بشخصية الرئيس وهويته وآلية عمله، كما ستشمل هيكلية الحكومة برئيسها وأعضائها وبرنامج عملها.

وإذا كانت إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي في مختلف المناطق اللبنانية تشكل الهم الأساس في المرحلة المقبلة، الذي يفترض أن يسخّر جهد حكومي وسياسي استثنائي في كل الاتجاهات لتوفير مستلزماته، إلا أن محطة أولى تتقدم على غيرها من أولويات هذه المرحلة، وتتجلى، بحسب الإجماع الداخلي، في إنضاج الملف الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.