فيما تستمرّ العيون شاخصة إلى سوريا، ترقباً لما ستؤول إليها الأوضاع فيها بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وكيف ستتصرّف قوى المعارضة المسلّحة التي تسلّمت السلطة تجاه لبنان، فإنّ ثمّة كلاماً على أنه من المبكر لأوانه معرفة حقيقة الأمور.
لكن لبنان يمكن أن يحتسب بأنه سيشهد أقلّ الخسائر بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي لن يتأثر بضمانات أمريكية ثابتة، ذلك أن سوريا أدخلت جميع الأطراف السياسية اللبنانية في اختلال كبير بمستوى استيعاب التطوّرات المتسارعة التي أخلّت بالمعادلات والحسابات ولعبة المصالح.
وتنامت حالة مثيرة للقلق أمام حركة النازحين السوريين في الاتجاهين المعاكسين، دخولاً وخروجاً، بما يربك على نحو واسع التدقيق ومنع الدخول غير الشرعي ومكافحة التسلّل عبر المعابر غير الشرعية.
وإلى هذه الاستحقاقات الأمنية والعسكرية الداهمة، يقترب المشهد السياسي من صورة شديدة الدقّة حيال موعد 9 يناير المقبل الانتخابي، إذْ بدا واضحاً أن سقوط النظام السوري خلق واقعاً إضافياً على التوازنات السياسية الداخلية، من شأنه أن يزيد التشويق والتعقيد والغموض في فترة العبور يوم الانتخاب.
مفعول الصدمة
وعلى مسرح الحدث السوري، بكلّ احتمالاته ومآلاته، تتحرّك القوى السياسية في لبنان، فيما يطغى الأمن على كل شيء، من المعابر الشرقية والشمالية، إلى استمرار الخروقات الإسرائيلية المعادية.
ومع تراجع مفعول الصدمة الناتجة عن سقوط نظام الأسد، عاد الاهتمام اللبناني إلى المعالجات الداخلية التي جمّدها الحدث السوري إلى حدّ معين، ولا سيما منها تنفيذ اتفاق وقف النار مع إسرائيل، والمشاورات الرامية إلى إنضاج «طبخة» انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدّد لهذه الغاية.
وإذ بدت أوساط نيابية أكثر تفاؤلاً بالمسار الذي ستسلكه الجلسة النيابية المقرّر عقدها في 9 يناير المقبل لانتخاب رئيس، فإنّ مصادر سياسية مواكبة للملفّ الرئاسي عبّرت عن تحفظها في هذا المجال، واعتبرت أنّ المهلة المتبقية أمام الجلسة، والتي باتت أقل من شهر، لن تكون كافية لإنضاج المناخ الملائم لانتخاب رئيس للجمهورية.
وقالت لـ«البيان» إنّ أولوية القوى الإقليمية والدولية حالياً هي إنجاح اتفاق وقف النار في لبنان، وتوفير الاستقرار في سوريا بعد دخولها الوضع الجديد، فإذا سلك هذان الملفان، في لبنان وسوريا، طريقهما إلى الاستقرار والإيجابية، فعندئذ ستكون هناك حظوظ حقيقية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية واستكمال بناء المؤسّسات الدستورية، وإلا ستبقى العملية السياسية الداخلية رهينة الانتظار لفترات غير محدّدة.
ومن الجنوب، فإن الحدود مع إسرائيل التي تستحوذ بالقوة على أجزاء واسعة من أراضيه، في انتظار البدء في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينصّ على انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلّها مؤخراً، وإطلاق المفاوضات حول النقاط الحدودية العالقة، فضلاً عن بتّ مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.
أما من الغرب، فيحدّه البحر، حيث الثروات الدفينة عادت في خطر، بعد منع التنقيب عن الغاز لأسباب سياسية مكشوفة، ومن دون أن يلمح في الأفق أيّ مؤشر إلى إعادة نظر في «الفيتو» الذي أوقف العمل فجأة في البلوك رقم 4، وحال دون انطلاقه الفعلي في البلوكين 8 و9.