لبنان.. خطوات حذرة من تداعيات الوضع في سوريا

جندي لبناني عند معبر المصنع
جندي لبناني عند معبر المصنع

فيما يبدو لبنان من أكثر دول المحيط السوري اهتماماً وترقباً وتحوّطاً لتداعيات الحدث السوري المتدحرج، والذي خطف أنظار العالم بأسره، وفيما أرغمه هذا الحدث على اتخاذ إجراءات استثنائية على حدوده الشرقية والشمالية البريّة مع سوريا، يسود انطباع في بيروت بأن مصير لبنان لن يكون معزولاً عن المتغيّرات في سوريا بارتداداتها الأكيدة على الواقع اللبناني ومسار وقف النار جنوباً.

لذلك بات لبنان تحت أنظار العالم، وبرزت جملة قضايا شائكة منها عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، والمقدر عددهم بنحو مليونين، وأيضاً ما قيل إنه هروب شخصيات من النظام السوري إلى لبنان ومن لبنان إلى وجهة أخرى، بينما يتعادل الملف الرئاسي فيه المنحى التفاؤلي مع المنحى التشاؤمي، بما يصعّب تحديد الوجهة التي سيسلكها في جلسة مجلس النواب يوم 9 يناير المقبل

«ضبابيّة» رئاسيّة

تحوّلت الحركة المكوكية الكثيفة لمرشحين ونواب وسطاء يتولون أدواراً محورية في مشاورات الكواليس إلى مؤشر متقدم حيال الجدية الكبيرة التي تطبع مرحلة العد العكسي لموعد الجلسة الانتخابية بما وصفه أكثر من مصدر متحرك على هذا المسار بأنه المرة الأكثر اقتراباً إطلاقاً من بلورة اتجاهات وإرادات سياسية ونيابية وديبلوماسية لجعل يناير نهاية قاطعة لسنتين وشهرين من أزمة الفراغ الرئاسي.

وضربت ضبابية الترجيحات المشهد الرئاسي المنتظر منذ أكثر من 26 شهراً، من جهة نجاح الجلسة، المسبوقة باتصالات، تخطّت الداخل إلى المطابخ الدولية والإقليمية، أو عدم قدرتها، على الرغم من غالبية الكتل الحريصة على الخروج من النفق الرئاسي المظلم.

أما على المقلب الآخر من الصورة، فتردّدت معلومات في سياق «إعادة التموضعات» الرئاسية، التي أملتها التطورات التي أصابت «حزب الله» وأسقطت النظام السوري، أن رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية يتّجه إلى إعلان انسحابه من السِباق الرئاسي وتجيير دعمه لقائد الجيش العماد جوزف عون.

ووسط تصاعد الحمى الداخلية الرئاسيّة، بما يعكس الأثر الواضح للحسابات الجديدة حيال الحدث السوري على إعادة رسم التوازنات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وفيما باتت الأسابيع الثلاثة المقبلة توصف بأنها الفترة الحاسمة، وربما الفرصة التي سيكون من الصعوبة الكبيرة تجاوز تداعيات إخفاقها إذا مرّ موعد 9 يناير المقبل ولم يُنتخب رئيس الجمهورية، تحدثت مصادر نيابية عما يمكن وصفه بـ«معركة» رفع السقوف أو رسمها مجدداً، التي برزت بقوة من خلال لقاءات بعض الكتل النيابية وحركتها، سعياً وراء مناخ توافقي يوصل إلى توافق واسع على مرشح يحظى بأرضية متقدّمة، داخلياً وخارجياً.

وكشفت المصادر نفسها لـ«البيان» أن رفع سقف المواصفات جاء في الغالب من قوى المعارضة، بعد التطورات الضخمة التي شهدها لبنان وسوريا، وانعكست تبديلاً جذرياً في الواقع السياسي الداخلي، ولو لم يعترف بذلك كثيرون بعد.

ولذا، ووفق المصادر نفسها، فإن ما يجري من محاولات تقديم أسماء وتأخير أسماء أخرى لم يبلغ بعد المرحلة التقريريّة الجادّة في غربلة بضعة أسماء محدّدة قبل الاتجاه نحو توافق واسع على مرشح، أو التوافق على إطلاق معركة تنافسيّة مفتوحة، في جلسة تعهّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي لسفراء «المجموعة الخماسيّة» أخيراً أنها لن تنتهي إلا بانتخاب الرئيس.

ووسط هذه الأجواء، عاد الحديث عن مواصفات رئيس الجمهورية، بحيث ترتبط بالمتغيرات الحاصلة في المنطقة، ووفقاً لحسابات لها صلة بما يُخطّط لجهة الدور المستجدّ للبنان في مجرى تحوّلات الشرق الأوسط.

وثمّة كلام عن أنه من المبكر الحديث عن حسم الملف الرئاسي وإنهاء الشغور في جلسة 9 يناير المقبل، تماماً كما الرهان على انتخاب أو عدم انتخاب رئيس وانضمام الجلسة الـ13 إلى سابقاتها.. وعليه، لا تزال المقار السياسية تعجّ بالزوّار المحليين والأجانب، وبمشاورات لا تهدأ، بحثاً عن شخصية تكفل تنفيذ الشقّ السياسي من اتفاق وقف إطلاق النار، ومواكبة المتغيّرات الإقليمية وتبدّل موازين القوى.

وذلك، في خضمّ نقل رسائل عدّة إلى من يعنيهم الأمر، مفادها: إما رئيس توافقي جامع، سيادي وإصلاحي، وإما لا رئاسة.

أما على المقلب الآخر من الصورة، فإن ثمّة كلاماً عن أن الوضع اللبناني ثابت نسبياً، والهدنة مستمرّة.

وفي تقدير مصادر سياسية، أن الإدارة الأمريكية لن تتساهل على الإطلاق في تطبيق اتفاق وقف النار بحذافيره، وأنها متفقة مع الحكومة اللبنانية على هذا الأمر، ولا عودة للحرب على الإطلاق، مع إشارتها لـ«البيان» إلى أن الاتفاق غير محصور بجنوب نهر الليطاني، بل هو معنيّ بما يحصل شمال الليطاني أيضاً، وخصوصاً أنه يتحدث عن القرارات الثلاثة ذات الصلة بلبنان، وهي القرارات 1559 و1680 و1701، وهذه القرارات تعتبرها الإدارة الأمريكية وحدة متكاملة لا يمكن تطبيقها بطريقة مجتزأة، أو تطبيق قرار دون الآخر.