غداة مرور عام كامل على «طوفان الأقصى»، حلّت في لبنان أمس الذكرى السنويّة الأولى لفتح «حزب الله» الحرب دعماً لـ«حماس» في غزّة، والتي أغرقت البلد في حرب مستنسخة عن حرب غزّة، إذْ تحوّلت وجهة التدمير الإسرائيلي إلى جبهة الشمال منذ أسبوعين، وها هي مناطق واسعة من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت تتسابق مع غزّة تحت وطأة التدمير والقتل وحمامات الدماء.
وكأنّ طوفان الدم انتقل إلى لبنان. وفي التواريخ تُستحضر جردة الحساب، لبنانياً، بعنوانين اثنين: ماذا حققت حرب «الإشغال والمساندة»؟ وما هي حسابات الربح والخسارة بالنسبة إلى إسرائيل؟
وفي معرض الإجابة عن هذين السؤالين، فإن ثمّة إجماعاً على أنه قد يكون من السابق لأوانه إجراء هذه الجردة المضاعفة، خصوصاً أن الحرب في ذروتها.
لكنّ بعض المؤشرات يتيح البدء بها، ولعلّ أبرزها أنه، بعد سنة على بدء هذه الحرب، أنها أصبحت وجهاً لوجه بين إسرائيل وإيران، ولم تعد بالواسطة عبر ما يُسمى «الأذرع»، ذلك أن الانشغال في إسرائيل هو الاستعداد لتوجيه الضربة لإيران، ردّاً على الصواريخ التي بلغت تلّ أبيب.
حقبة مصيريّة
وفي ظل طيّ سنة كاملة من المواجهات، التي تحوّلت بعد الثلث الأخير من سبتمبر الفائت إلى حرب إسرائيلية على «حزب الله» والعديد من المناطق اللبنانية، بكلّ عدّتها التدميرية، وجد لبنان نفسه في مواجهة أخطر الحقبات التي عرفها في تاريخ مواجهاته مع إسرائيل، فيما هو يرزح تحت وطأة شتى أنواع الأزمات المتراكمة، قبل هذه الحرب وبسببها وفي مواكبتها.
ولليوم السّادس عشر على التوالي، واصل الجيش الإسرائيلي عدوانه الأوسع على لبنان، منفذاً عشرات الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاُ عن مدن وبلدات البقاع والجنوب اللبناني، إضافة إلى محاولاته التوغل برّاً في بعض المناطق الحدودية، معلناً أنه تمّ إضافة فرقة رابعة لقوّاته المتوغّلة بلبنان، وهي أولى فرق قوات الاحتياط التي تشارك في التوغّل البري.
وفي السياق، توقفت مصادر سياسية متابعة أمام مجموعة من الوقائع، المرتبطة بالجبهة الجنوبية للبنان، والتي ظلّت الحركة العسكرية فيها مضبوطة ضمن قواعد اشتباك معيّنة على مدى أشهر، على رغم الشهداء والمصابين والدمار الهائل في القرى والمناطق، قبل أن ينقلب المشهد فيها رأساً على عقب في أيام. فبعد عملية «البايجرز والأجهزة اللاسلكية»، كان اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، الحدث الجلل الذي لم يصدقه كثيرون إلى اليوم.
والذي كانت وستكون له في المستقبل القريب والبعيد، وبحسب قول المصادر نفسها لـ«البيان»، ارتدادات وتداعيات لبنانية وإقليمية، ومن محطاتها الراهنة الردود المتبادلة بين إسرائيل وإيران. أما لجهة من خسر ومن ربح، فالميدان هو من يملك الجواب.
وفي انتظار إقناع واشنطن تلّ أبيب بالخروج من دائرة النار، فإن إسرائيل لا تزال في قلبها، جواً وبراً، والآن بحراً، فيما ثمّة إجماع على أنها أطفأت شمعة الدم الأولى، أمس الأول، وهي تستعدّ للقفز إلى سنة جديدة حافلة بتدمير المدن على ناسها.
ووفق مصادر متابعة، فإن إعاقة التقدّم برّاً، عوّضها نتنياهو جواً، على شكل «الجحيم» الذي حلّ على ضاحية بيروت الجنوبية، إذْ حوّلها إلى كتلة نارية أقرب إلى البراكين المتفجرة، وذلك، بالتزامن مع خطّة تفريغيّة واضحة لمناطق جنوب الليطاني.
حيث دأب الجيش الإسرائيلي على توجيه الإنذارات إلى أهالي وسكان البلدات والقرى الحدودية لمغادرة منازلهم والاتجاه نحو شمال الليطاني وعدم العودة إلى منازلهم. وتداعيات هذه الخطّة باتت تنذر بتراكم أعداد هائلة من النازحين اللبنانيين، قد تتجاوز أرقامها المليون.
وقائع.. وأرقام
وما بين مضامين هذه الوقائع، تجدر الإشارة إلى انقطاع التواصل مع الوصف والتعبير وأشكال التسميات لمشهد الضاحية الجنوبية لبيروت، التي وزّعت فيها إسرائيل نيران صواريخها الثقيلة في قلبها وعند بعض أطرافها. عشرات الغارات حوّلت الكثير من الأحياء والمجمّعات السكنيّة والتجاريّة في «الضاحية» إلى كومات من الركام، اندمل تحتها جنى عمر المواطنين. وذلك، قبل أن تصحو أمس على جمرها الذي سيأخذ وقتاً قبل أن يصبح رماداً.
وفيما الاعتداءات ظلّت على غاربها، جنوباً وبقاعاً، بوتيرة ترتفع حيناً وتتراجع حيناً آخر، وفي كلتا الحالتين لا يتوقف شلاّل الدم الذي يغرق فيه المواطنون، صغاراً وكباراً ونساءً ورجالاً، 2083 قتيلاً و9869 جريحاً منذ بدء العدوان، وفق بيان وزارة الصحة اللبنانية أمس الأول، فإن على المقلب المكمّل لهذه الصورة استعانة بتقرير لـ«اليونيسف» لمعرفة مدى الإجرام الذي يصيب الأطفال في لبنان، إذ يشير إلى مقتل أكثر من مئة طفل في لبنان خلال 11 يوماً فقط، فضلاً عن إصابة 690 طفلاً في الأسابيع الستة الأخيرة بسبب الهجوم الإسرائيلي.