بعد شغور استمر سنتين وشهرين و9 أيام، وفي مشهد بدا أقرب إلى «انقلاب» ضخم في الوقائع السياسية والدبلوماسية، أدى إلى تثبيت اسمه بلا منافس أو بديل، مرشحاً حصرياً لرئاسة الجمهورية اللبنانية، اعتلى قائد الجيش العماد جوزيف عون (1964) سدة الرئاسة الأولى في لبنان، ليصبح الرئيس الرابع عشر للجمهورية ما بعد الاستقلال، والسادس ما بعد اتفاق الطائف.
أما قصر بعبدا، الذي احتفى بانتهاء حقبة الفراغ الرئاسي المتمادية، ففتح أبوابه أمس لخامس قائد للجيش اللبناني منذ الاستقلال يصبح رئيساً للجمهورية؛ وعليه فإن ثمة إجماعاً على أن لبنان طوى صفحة في تاريخه، وفتح صفحة جديدة تتناسب مع جملة تحولات جذرية في عموم المنطقة، بانتخاب العماد جوزيف عون الرئيس الـ14 للجهورية اللبنانية.
وبعد تسعة عشر شهراً على آخر جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، في 14 يونيو 2023، التي نال فيها العماد جوزيف عون صوتاً واحداً ، شهدت قبة البرلمان أمس، انعقاد الجلسة البرلمانية الـ«13» في سلسلة جلسات أزمة الفراغ الرئاسي، بحضور الـ128 نائباً، وأسفرت، في دورتها الثانية، عن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، بأصوات 99 نائباً، مقابل ورقة بيضاء واحدة و5 أوراق ملغاة، وذلك بعد أن كانت الدورة الأولى من الجلسة انتهت من دون انتخاب رئيس، بحصول قائد الجيش على 71 صوتاً مقابل 37 ورقة بيضاء و18 ورقة ملغاة.
وهكذا، من صوت واحد في 14 يونيو 2023 إلى 99 صوتاً نالها أمس، أصبح العماد عون «فخامة الرئيس جوزيف عون»، من دون أن يحتاج إلى تعديل دستوري، ما كان يتطلب توافر 86 صوتاً له في كل الدورات، وبالتالي خرجت رئاسة الجمهورية الثالثة من عنق الزجاجة من دون أن تحتاج إلى جلسات لاحقة.
سجالات حامية
وهكذا أيضاً، فإن جلسة أمس، التي حضرتها البعثات الدبلوماسية في لبنان ونُقلت وقائعها مباشرة على الهواء، وشهدت سجالات حامية بين بعض النواب، وصلت إلى حد تبادل الاتهامات والشتائم، حسمت وجهة الاستحقاق الرئاسي في اتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يحظى بدعم وقبول واسعين، داخلياً وعربياً ودولياً، بما يعيد الانتظام للحياة السياسية والدستورية في لبنان.
مرحلة جديدة
وبدأت مرحلة جديدة، وما بين المشهدين، يجدر التذكير بأن اسم الرئيس جوزيف عون ارتبط بمعركتين، شكلتا المسار السياسي والأمني للبلد، في مراحل سياسية حاسمة واستحقاقات استثنائية، فهو الذي خاض «معركة الجرود»، وقادها بنجاح في مواجهة «المجموعات الإرهابية»، وكان القائد والمهندس الفعلي على الأرض ما بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان في سبتمبر الفائت، إذ جهز عناصره منذ الليلة الأولى لإعلان انتهاء وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الفائت، متوجهاً جنوباً، حيث خاض التحدي الثاني لإثبات قدرة الجيش على بسط نفوذه وعلى حماية لبنان في وجه القوات الإسرائيلية.
ومن بوابة هاتين المعركتين، فإن ثمة كلاماً عن أن «القائد» سيخوض، المعركة الأصعب في تاريخه في ظل انقسام سياسي لبلد نادراً ما شهد توافقاً، إذ أمامه مشوار أطول مع الإصلاحات الاقتصادية وإعادة الإعمار وتشكيل الحكومة المرتقبة، ذلك أن العارفين يقولون عنه إنه مثال للعسكري الجامع للوطن وعلى المسافة الواحدة في لبنان، علماً أن خطاب قسمه أمس حمل عناوين عدة لمرحلة مقبلة، بدءاً من التمسك بالاقتصاد الحر والحاجة إلى مصارف لا يكون الحاكم فيها إلا القانون، مروراً بإعادة بناء ما دمرته إسرائيل، وصولاً إلى ضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً، وحق الدولة في احتكار حمل السلاح.
وهنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عون، معتبراً أن انتخابه «يمهد طريق الإصلاحات»، فيما أكدت السفارة الأمريكية في لبنان التزام«العمل بشكل وثيق مع عون مع بدئه جهود توحيد البلاد، وتنفيذ الإصلاحات».