هوكشتاين في مسعى الفرصة الأخيرة.. الحرب أم الحل؟

هوكشتاين ونبيه بري بعد اجتماعهما في بيروت
هوكشتاين ونبيه بري بعد اجتماعهما في بيروت

لليوم الثاني على التوالي، ووسط استمرار عمليات القصف والاستهداف بين حزب الله وإسرائيل، أحاط الغموض الكثيف الذي ظللته آمال ضعيفة مشوبة بشكوك قوية بأحدث، وربما آخر، زيارة يقوم بها الموفد الأمريكي، عاموس هوكشتاين لبيروت ساعياً وراء اختراق صعب بوقف نار يوقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله.

ولعل غياب الوضوح، تسريباً وتصريحاً، عن نتائج المفاوضات التي دارت في بيروت بين هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على مدى اليومين الماضيين، لتذليل ما يمكن تذليله، ما قد تعتبره إسرائيل إطاحة بمشروع وقف النار يتحمل الجانب اللبناني المفاوض تبعته، عكس التعقيدات التي كانت لا تزال تعترض المفاوضات.

وبعد اللقاء المطول الذي جمعه مع بري، وقبيل توجهه إلى تل أبيب، أمس، كان للمبعوث الأمريكي تصريح مقتضب، لم يفصح من خلاله على تفاصيل اللقاء، مكتفياً بالقول إن هناك تقدماً إيجابياً، وسنسير خطوة تلو أخرى في محاولة للوصول إلى خاتمة، إذا تمكنا من ذلك، مع إشارته إلى أنه لن يعلن المفاوضات علناً.

علماً أن هوكشتاين كان افتتح جولته التفاوضية، بالكلام عن أنه عاد إلى بيروت لأن هناك فرصة حقيقية للوصول إلى نهاية للحرب ولتسهيل اتخاذ القرار بذلك، وأنه يمكنه تقريب المسافات الخلافية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي انطلاقاً من قاعدة القرار 1701، الذي يشكل حجر الأساس في ترتيب الأمور الأمنية، أقله في منطقة جنوب الليطاني، ومن دون أن يوافق حزب الله على توسيع شعاع الورقة الأمريكية على طول الخريطة اللبنانية.. فهل ما قاله يندرج في إطار الواقع، أم أنه مجرد أمانٍ؟

وفي انتظار اتضاح الإجابة عن هذا السؤال اليوم، في ضوء اللقاء المقرر بين هوكشتاين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فإن المعطيات والمعلومات تشير إلى أن الفرصة التي تحدث عنها الموفد الأمريكي تعترضها عقبات كثيرة.

ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي اختار المفاوضات تحت النار، كما قال، لا يبدو في وارد إيقاف عمليته العسكرية ضد لبنان، وهو يؤكد في مواقفه العلنية أنه لن يوقف إطلاق النار قبل تحقيق كل الأهداف الموضوعة والمحددة.

ومن جهة ثانية، يصعب على حزب الله أن يقبل بالبنود الواردة في المقترح الأمريكي، بدءاً بإعطاء إسرائيل حرية التحرك العسكري، ووصولاً إلى إخضاع المعابر البرية والبحرية والجوية اللبنانية لإشراف أمريكي - دولي، وهو يدرك أن مثل هذه البنود بمثابة استسلام مقنع، وتشكل مقدمة لإنهاء دوره على الحدود وصولاً إلى نزع سلاحه.. فهل يمكنه أن يتخلى عن سبب وجوده؟

ولأن القرار عند الإسرائيليين، اليوم، كان تأكيد الرئيس بري أن الوضع جيد، مبدئياً، معتبراً أن الضمانات فيما يخص الموقف الإسرائيلي يقع على عاتق الأمريكي، فيما قالت مصادر مطلعة لـ «البيان»، إن هوكشتاين أتى إلى بيروت مدعوماً من الإدارة الأمريكية بجناحيها، وقد سهل له لبنان مهامه في إسرائيل، وعبّد الطريق أمام إعلان وقف إطلاق النار.

قراءات متعددة

وفي الانتظار، انقسمت المواقف حيال زيارة هوكشتاين لبيروت بين متفائلين يكررون قُضي الأمر، ومتشائمين يشددون على أن المفاوضات طارت إلى أجل غير مسمى.

أما الواقعيون، فيرون في الزيارة فاتحة خير، حيث إن مجرد التفاوض أفضل من عدمه، فكيف إذا كان ثمة اقتراح مكتوب أمريكي، ولم يعلن أي من الأطراف المعنيين مباشرة بالصراع اعتراضهم بالكامل عليه.

وما بين مضامين هذه المواقف، فإن ثمة إجماعاً على أن العبرة بالخواتيم، وهي عبارة اعتاد اللبنانيون سماعها مع كل زيارة أو مبادرة أو محاولة حل.

أما الثابت الوحيد، فهو الحذر المشترك بين أطراف التفاوض الثلاثة: هوكشتاين، وإسرائيل، والرئيس بري بالنيابة عن حزب الله، ومن خلفه الرئيس نجيب ميقاتي، وخصوصاً أن هناك بندين في الورقة الأمريكية، إسرائيل لا تتنازل عنهما وحزب الله لا يقبل بهما، وهما: حرية إسرائيل في العمل عند انتهاك الاتفاق، والجهات التي ستشرف على تنفيذه.

نقطة خلافية

في السياق، أشارت المعلومات إلى نقطة ملتبسة توقف عندها الجانب اللبناني منذ تسلمه مقترح هوكشتاين، وتتعلق ببند الاتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وحيال هذا البند، اعتبر لبنان أن المقترح يعيد إلى ما قبل الخط الأزرق وترسيم جديد للحدود المرسمة، ما يعد خطراً سيادياً، وإشكالية وصفت بأنها حمالة أوجه.

أما مصادر المفاوضين اللبنانيين، فأكدت لـ «البيان»، أن لبنان الرسمي أجرى تنازلات كبيرة إلا على الأرض وسيادتها، إذ يخشى من تدبير إسرائيلي، يستفيد به من وهج مكاسبه في الحرب لأجل تعديل الحدود المثبتة دولياً، وبالتالي يستثمر بمساحات وقرى احتلتها إسرائيل أخيراً لتأمين حدودها ومستوطنيها في الشمال ورسم خط جديد حاجب لإطلاق الصواريخ.

ووفق المصادر ذاتها، فإن التفاوض اللبناني، قد يجد حلولاً لهذه النقطة الخلافية، سواء بتعديل المصطلحات، أم عبر طرح اقتطاع أراضٍ عازلة من المطلة الإسرائيلية نفسها.

وفيما لا يزال هذا الأمر خاضعاً للنقاش، وفق ما تردد، فإن هوكشتاين غادر إلى تل أبيب أمس، مصحوباً بسيل من التفاؤل اللبناني، الذي يبقى حذراً، فيما قالت مصادر المفاوضين اللبنانيين لـ «البيان»، إن الأجواء إيجابية لأبعد الحدود، حتى مع بروز مشكلة الحدود.