غيّب الموت، في روما، البابا فرنسيس، عن 88 عاماً، رجل المحبة والسلام، نصير الفقراء والمهمشين، حيث لم يتوقف عن الصلاة من أجل السلام ومن المطالبة بوقف الحروب في السودان وأوكرانيا وغزة وطوال فترة حبريته.
عبّر البابا فرنسيس عن تضامن إنساني وأخلاقي عميق مع الشعب الفلسطيني، داعياً حتى في يومه الأخير إلى إنهاء العنف وتحقيق السلام العادل والشامل في الأراضي الفلسطينية.
امتلك البابا مسيرة مديدة كرّسها عبر كتاباته وعظاته في الدعوة إلى السلام والمحبة والتآخي بين الإنسان وأخيه الإنسان، انطلاقاً من القيم المشتركة التي تجمع البشر، وعلى مدى 12 عاماً من حبريته، وقف البابا فرنسيس إلى جانب القضايا العادلة وسيبقى إرثه الإنساني منارة في هذا الزمن المضطرب.
حوار الأديان
واختتم البابا فرنسيس مسيرة حافلة بالحراك الديني والدبلوماسي، بعدما أعطى على مر السنين صوته للفئات الأضعف والمهاجرين والفقراء، وسلط الضوء على موضوعات الحوار بين الأديان، واجتمع مع زعماء الديانات المختلفة، وعزز السلام في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.
وجاء في خطابه الأخير الأحد، قبل يوم من وفاته، في رسالة بمناسبة عيد الفصح قرأها أحد مساعديه – «أفكر في شعب غزة، ومجتمعها المسيحي على وجه الخصوص، حيث يستمر الصراع الرهيب في التسبب في الموت والدمار»، داعياً إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة وإطلاق سراح المحتجزين.
تعاطف
وأبدى البابا الراحل، تعاطفاً واهتماماً بالفلسطينيين، خلال الحرب الدائرة في غزة، عبر تعليقاته حول الحرب، والدفاع عن الفلسطينيين، وقد وصف في سبتمبر 2024، تصرفات إسرائيل في غزة بأنها «غير أخلاقية»، كما وصفها أيضاً بأنها «غير متناسبة».
وفي نوفمبر، ذهب البابا الراحل، إلى ما هو أبعد من ذلك، بدعوته إلى إجراء تحقيق، فيما إذا كانت حملة إسرائيل في غزة، تُشكل إبادة جماعية، قائلاً: «يجب أن نجري تحقيقاً دقيقاً، لتحديد ما إذا كانت تتوافق مع التعريف التقني الذي صاغه الفقهاء والهيئات الدولية».
وقف الحروب
كما قاد البابا فرنسيس الكنيسة في سياق «الحرب العالمية الثالثة الجزئية» وهو التعريف الذي استخدمه لوصف الصراعات بين روسيا وأوكرانيا، والوضع في الشرق الأوسط، ووجه نداءات متكررة لوقف الحروب في سوريا والسودان، وصرح بأن «الحرب هزيمة».
لقد كان البابا فرنسيس شخصية عالمية استثنائية، كرّس حياته لخدمة قيم السلام والعدالة، وعمل بلا كلل على تعزيز التسامح والتفاهم بين الأديان، وقام خلال فترة حبريته بالعديد من الرحلات في جميع أنحاء العالم، سعياً إلى نشر رسالة السلام والعدالة والحوار بين الأديان.
مشدداً على أن «السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية»، ففي مارس 2021 قال خلال زيارة إلى العراق: إن «العداء والتطرف والعنف لا تنبع من قلب ديني، بل هي خيانة للدين».
وفي مارس 2022: في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا قال: إنه «في أوكرانيا، تجري أنهار من الدماء والدموع. هذه ليست مجرد عملية عسكرية، بل حرب تزرع الموت والدمار والبؤس».
وفي 8 أكتوبر 2023: في اليوم التالي لهجوم «حماس» على جنوب إسرائيل قال: «فليتوقف الهجوم والأسلحة، من فضلكم، لأنه يجب أن يُفهم أن الإرهاب والحرب لا يجلبان حلولاً، بل يؤديان فقط إلى موت ومعاناة كثير من الأرواح البريئة. الحرب هزيمة، كل حرب هزيمة».
بناء الجسور
وحرص الراحل على بناء الجسور بدلاً من الحواجز والجدران، وقد كرّسها في جولاته العالمية الهادفة إلى حشد الجهود للخلاص من تحديات المرض والفقر والأمية ونشر السلام، انطلاقاً من إيمان عميق بالخير الكامن في الإنسان والإنسانية لرجل يحمل السلام أينما حل.
وقد زار البابا فرنسيس، العديد من دول الشرق الأوسط، خلال توليه منصب البابوية ومنها الإمارات والبحرين والعراق ومصر والأردن وغيرها، خلال زيارته التاريخية في مايو 2014 للأراضي الفلسطينية، وصلى قرب الجدار الفاصل في بيت لحم، ووجّه دعوة للرئيسين الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي حينها شمعون بيريز للصلاة المشتركة من أجل السلام في الفاتيكان.
وفي مايو 2015، خلال زيارة عباس للفاتيكان، تم توقيع معاهدة اعترف فيها الفاتيكان رسمياً بدولة فلسطين. ودخل الاتفاق حيّز التنفيذ في 2 يناير الثاني 2016.
الدفاع عن الفقراء
خلال مسيرته، عرف البابا فرنسيس بدفاعه القوي عن الفقراء والمهاجرين فكان من منتقدي النظام الاقتصادي العالمي لعدم تحقيقه العدالة الاجتماعية، كما كرّس جهوده لحماية البيئة، ودعا إلى نشر السلام والعمل من أجل حماية «بيتنا المشترك»، في إشارة إلى أزمة تغير المناخ التي تهدد كوكب الأرض، ففي وثيقة صدرت في أكتوبر 2023 قال:
إن «العالم الذي نعيش فيه ينهار، وربما يقترب من نقطة الانهيار. ورغم كل محاولات إنكار هذه القضية أو إخفائها أو تجاهلها أو إضفاء طابع نسبي عليها، فإن علامات تغير المناخ واضحة جلية».