"وول ستريت جورنال": هل تصبح إسرائيل "إسبارطة" الشرق.. وفي حرب بلا نهاية؟

عام مر على هجوم حركة حماس المفاجئ على إسرائيل، والذي أنهى فترة من السلام النسبي في إسرائيل، ليضعها أمام واقع جديد ينذر بصراع مستمر وقد يتوسع إلى مدى يخرج عن السيطرة.

مرت إسرائيل بفترة من الازدهار النسبي في العقدين الماضيين، وأنهاها الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023، وأسفر عن مقتل 1200 شخص وأسر 250 آخرين، ما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الأمنية وشنت حرباً أسفرت حتى الآن عن مقتل قرابة 50 ألف شخص في غزة.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريراً مطولاً في ذكرى هجوم 7 أكتوبر، قيمت فيه كيف غير هذا الهجوم إلى الأبد هوية إسرائيل الأمنية وتعريفها حتى للعلاقات الدولية وكذلك طبيعة الحرب ذاتها.

دأبت إسرائيل على مدار السنوات الماضية، على تثبيت الهدوء النسبي لأطول فترة ممكنة، مع التركيز على السيطرة على صراعات قصيرة مع المجموعات الفلسطينية، غير أن الهجوم الأخير كشف عن مدى خطورة الوضع، حيث أقر الكثير من الخبراء الأمنيين أن إسرائيل لم تعد في وارد إتاحة الفرصة لأعدائها لبناء ترساناتهم من الأسلحة.

يقول ياكوف أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق: "ستكون الحروب الاستباقية في المستقبل جزءاً من مجموعة الأدوات الإسرائيلية"، هذه الاستراتيجية الجديدة قد تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وقد تؤثر في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق من تصاعد التوترات. ناهيك عن تعقيد أهداف إسرائيل الدبلوماسية، بما في ذلك بناء تحالفات إقليمية لمواجهة التهديدات.

ويقول تامير هايمان، رئيس المخابرات العسكرية السابق عن ذلك: "إنها حرب لا نهاية لها". ويضيف: "بعد غزة، سنذهب إلى لبنان، وبعد لبنان إلى الضفة الغربية، ثم إلى إيران".

بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فتح هذا واقعاً جديداً مرعباً، وطرح سؤالاً مفاده، هل تصبح إسرائيل إسبارطة الشرق الأوسط حيث تعيش وتنام على حروب؟

اعتاد الإسرائيليون على فرص العمل المتنامية التي أتاحتها فترات الهدوء، حيث أصبحت تل أبيب مركزاً عالمياً للتكنولوجيا مع رواتب عالية وقائمة مطاعم بفروع دولية وعقارات فاخرة.

مستقبل

تفرض إسرائيل الخدمة العسكرية الإلزامية على معظم المواطنين، مع جيش يعتمد على كل من المجندين ومئات الآلاف من جنود الاحتياط، الذين يعيشون حياة طبيعية في وقت السلم. يتوجس الإسرائيليون الآن من مستقبل يمكن أن تكون أوقات الحرب فيه أكثر من السلم.

لقد أمضت ريفكا سالي باينا (28 عاماً)، أكثر من 200 يوم في الاحتياطي منذ 7 أكتوبر، عندما تم استدعاؤها لمدة 20 يوماً أخرى بعد وقت قصير من بدء إسرائيل هجومها على جنوب لبنان. بصفتها قائدة سرية في لواء البحث والإنقاذ، كانت تقضي عادة 30 يوماً في الاحتياطي قبل الحرب، ولا يمكنها أن تتخيل أن يكون لديها عام آخر مثل هذا، تقول: "أنا منهكة حقاً، مثل الحذاء الذي تم ارتداؤه كثيراً"، قالت: "أفتقد حياتي السابقة".

حرب إقليمية

يمكن اعتبار إعادة التفكير الأمني في إسرائيل، بهذا الشكل الانقلابي، نجاحاً للميليشيات المناهضة لإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية، حيث لم يقتصر الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر على الحدود الجنوبية لإسرائيل، بل أطلق العنان لمجموعات مثل حزب الله، الذي بدأ في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل في 8 أكتوبر، والمتمردين الحوثيين في اليمن، الذين أطلقوا صواريخ باليستية بعيدة المدى على تل أبيب.

ما أظهره هذا العام هو أن استراتيجية إيران فتحت المزيد من الطرق لمهاجمة إسرائيل ومن أماكن أكثر من الصواريخ المتطورة إلى الطائرات دون طيار الجاهزة والتفجيرات الانتحارية في تل أبيب. لم يكن التهديد الذي يشكله ما يطلق عليه الإسرائيليون الآن "حلقة النار" التي أنشأتها إيران مفهوماً قبل السابع من أكتوبر. ولم يقتصر الأمر على إجهاد قدرات الجيش فحسب، بل أكد أيضاً أن كل تحرك تقوم به إسرائيل قد يشعل حرباً إقليمية، وهو ما تضغط الولايات المتحدة لتجنبه.

أطلقت إيران الأسبوع الماضي وابلاً من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل، تم إسقاط معظمها أو أخطأت أهدافها، لكن إسرائيل وعدت برد عقابي. جاء هذا بعد أول هجوم إيراني على الأراضي الإسرائيلية في أبريل، حيث أطلقت أكثر من 300 قذيفة، منها صواريخ كروز وصواريخ باليستية، ليفتح هذا التناوش الباب أمام خطر جرِّ القوى العالمية الكبرى إلى حرب.

يقول عوفر شيلاح، مدير أبحاث سياسة الأمن القومي في معهد دراسات الأمن القومي: "هذه ليست حرباً ضد حماس أو حزب الله. إنها حرب ضد محور المقاومة"، وفي نظر الكثيرين في العالم العربي أن السياسات الإسرائيلية تجاه القطاع أسهمت بالفعل في الوصول إلى السابع من أكتوبر، حيث فرضت إسرائيل حظراً على غزة أدى إلى عزل القطاع إلى حد كبير.

تحديات

تضع الظروف الحالية إسرائيل أمام تحديات جمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، حيث يتزايد الضغط الدولي على البلاد للتوصل إلى حلول سياسية، خصوصاً في ظل ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين في غزة، والتي تشير التقارير إلى أنها تتجاوز 40 ألفاً. هذا التصعيد يعكس وضع إنسانياً صعباً، ويزيد من الحاجة إلى استراتيجية جديدة.

تواجه إسرائيل أيضاً عواقب اقتصادية خطيرة، حيث يقدر المسؤولون أن تكاليف الحرب قد تصل إلى 65 مليار دولار حتى عام 2025.

يحذر أمير يارون، محافظ بنك إسرائيل، من أن زيادة الإنفاق قد تؤثر بشكل سلبي في الاقتصاد، ما قد يستدعي زيادة الضرائب ووقف بعض المشاريع.

يُظهر الوضع الحالي أيضاً الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وتتزايد الاحتجاجات ضد الحكومة، لتتحول من مطالب بإصلاحات قانونية إلى دعوات لإنهاء الحرب، كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن شعور الأمان قد تضرر بشدة، حيث يشعر الكثيرون بالحزن والاكتئاب بعد الهجوم.

وفق "وول ستريت جورنال"، تشير التوقعات إلى أن الأثر النفسي للحرب سيكون عميقاً على الجيل الشاب، الذي نشأ في بيئة تتسم بالصراعات. فقد أظهرت الدراسات أن الشباب الإسرائيليين يشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم، ما قد يؤدي إلى تغييرات في السلوك الاجتماعي والاقتصادي. كما أن تأثير الهجمات المتكررة على المدن الإسرائيلية قد يزيد في المشاعر المعادية للإسلام، ما يوسع الفجوة بين المجتمعات المختلفة.

ويعتقد داني أورباتش، المؤرخ العسكري في الجامعة العبرية في القدس، أن الاضطرابات الاجتماعية تؤكد مقدار الألم الذي يعاني منه الناس بسبب فقدان إسرائيل التي دمرت في 7 أكتوبر، حيث قال: "عندما ترى أن العالم يتغير من حولك، فإن أول شيء تريد القيام به هو العودة بأسرع ما يمكن إلى عالمك القديم.. عندما ترى أنك لا تستطيع القيام بذلك، فإن هذا يولد موجات من الغضب واليأس وأعتقد أننا نراها في إسرائيل الآن".