تتشابك الملفات في سوريا بين الداخل والخارج في مشهد يقلق الكثير من السوريين، حيث إن الجهاز الإداري الهش التابع للحكومة الانتقالية في دمشق يفقد بعض السيطرة على عمل الهيئات التابعة له نظرياً. يتجلى ذلك في قرارات مثيرة للجدل مثل إغلاق معهد الموسيقى في حلب، وتعديل المناهج الدراسية واستمرار الاشتباكات بين الفصائل المسلحة، وفي ظل هذه التعقيدات، يبقى التساؤل المطروح: هل يمكن لسوريا أن تجد طريقها نحو الاستقرار في ظل التشابك بين الداخل والخارج؟
على الصعيد الدولي، تتبع الدول الغربية استراتيجية مزدوجة تجاه سوريا. في المسار الأول، تمارس هذه الدول سياسات لتخفيف العقوبات الاقتصادية في بعض الجوانب الحساسة، بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وإبقاء الباب مفتوحاً أمام فرص التهدئة. إلا أن المسار الثاني يتناقض ظاهرياً مع الأول، حيث تُبقي العقوبات أداة ضغط سياسي تهدف إلى تقويم مسار السلطة الحاكمة عند الضرورة.
الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، تدرك أن غياب الانتعاش الاقتصادي سيزيد من صعوبة التحديات السياسية التي تواجه الحكومة الانتقالية، بحسب تقرير نشره «ستيفن هايدمان»، الأكاديمي البارز في معهد بروكينغز. وبالتالي، العقوبات، حتى مع تخفيف بعضها، لا تزال تعيق الانتعاش الاقتصادي وتضع المزيد من العبء على المواطنين العاديين الذين يعيشون في حالة من التضخم وارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل.
ومن غير المستبعد أن تتقلص المساحة المشتركة التي تتلاقى فيها السلطة الجديدة مع بعض الرؤى الغربية، خاصة بعد تغيير الدول الغربية لهجتها منذ زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي، وهي ضغوط أسهمت في تأجيل مؤتمر الحوار الوطني الذي كان من المقرر عقده هذا الشهر.
وجاء التأجيل، بحسب تصريحات وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، لإتاحة الوقت الكافي لتشكيل لجنة تحضيرية موسعة تضم ممثلين من مختلف الشرائح والمحافظات السورية. وأكدت مصادر داخل الحكومة الانتقالية أن الموعد الجديد لم يُحدد بعد، وأن الدعوات الرسمية لانعقاد المؤتمر لم تُرسل حتى الآن. وينظر إلى هذا التأجيل على أنه محاولة للاستجابة لضغوط دولية لضمان تمثيل أوسع للمجتمع السوري، وهو ما قد يسهم في تعزيز فرص نجاح الحوار الوطني في الوصول إلى توافقات سياسية حقيقية وشاملة.
وبينما تتطلع الأطراف الإقليمية والدولية إلى بناء أساس متين لمرحلة ما بعد النزاع، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون العملية السياسية شاملة ومتوازنة، تأخذ في الحسبان تطلعات جميع فئات الشعب السوري وتؤسس لاستقرار دائم يرافقه تعافٍ اقتصادي تدريجي.