هل ينقذ اندماج «قسد» المرحلة الانتقالية في سوريا؟

نازحون سوريون يعبرون مع محافظة اللاذقية في سوريا باتجاه منطقة عكار اللبنانية
نازحون سوريون يعبرون مع محافظة اللاذقية في سوريا باتجاه منطقة عكار اللبنانية

أحيا الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين الرئاسة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الآمال بإعادة تصويب مسار العملية الانتقالية التي تعثرت في بداياتها، وسط مشهد سياسي مأزوم وشكوك متزايدة حيال إمكان المضي قُدماً.

فقد جاء الاتفاق في وقت بالغ الحساسية، عقب انفجار العنف الدامي في منطقة الساحل السوري، والذي أسفر عن مقتل المئات من المدنيين، وأعاد إلى الأذهان أشباح الفوضى والانهيار التي تخيم على العديد من الدول التي شهدت انتقالاً سياسياً غير مكتمل.

الاتفاق، الذي وُصف بأنه أولي، يتألف من ثماني نقاط عامة، تتناول القضايا المحورية.

ويُفترض أن يتم التعامل مع كل محور من خلال لجنة متخصصة تضم ممثلين من الطرفين، تعمل على صياغة اتفاقات مرحلية تفصيلية، تمهيداً للوصول إلى تفاهم شامل بنهاية العام الحالي. هذا النهج التدرجي يُعدّ تطوراً مهماً مقارنة بالمحاولات السابقة التي افتقرت إلى خريطة طريق واقعية أو آليات تنفيذية واضحة.

ظروف معقدة

يأتي هذا الاتفاق في ظل ظروف معقدة على الأرض، وانتقادات طالت أسلوب إدارة المرحلة الانتقالية، الذي طغت عليه الانتقائية، حيث اقتصر التمثيل السياسي في المؤسسات الانتقالية على قوى ذات خلفية مرجعية واحدة، في حين اتهمت قوى سياسية بتعرضها للتهميش، بما فيها التيارات الوطنية المستقلة، وممثلو المناطق الخارجة عن السيطرة الفعلية لحكومة دمشق.

يذكر أن هذه المناطق لا تقل مساحتها عن 50% من مساحة البلاد، وتشمل شرقي الفرات، ومحافظتي السويداء ودرعا، وأجزاء واسعة من شمالي محافظة حلب، ما يجعل أي عملية سياسية تفتقر لهذه المناطق غير قادرة على إنتاج تسوية مستقرة وشاملة.

ترحيب شعبي

لاقى الاتفاق ترحيباً شعبياً واسع النطاق، إذ خرج عشرات الآلاف من المواطنين في الساحات العامة بمختلف المدن والمناطق السورية، معبّرين عن دعمهم للوحدة الوطنية وتطلعهم إلى طيّ صفحة الحرب والاضطرابات المستمرة منذ عام 2011.

وتنوعت الشعارات والهتافات بين الدعوة إلى المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسامات، والمطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية، ما يعكس توق السوريين إلى السلام والاستقرار، بعد سنوات طويلة من الألم والمعاناة. هذا الحراك الشعبي العفوي قد يُشكّل رصيداً معنوياً مهماً للدفع بالاتفاق إلى الأمام، ويمنحه غطاء اجتماعياً.

وتباينت تفسيرات هذا التطور المفاجئ، وخاصة أن الإعلان عنه جاء في لحظة كانت تشهد تصعيداً إعلامياً غير مسبوق من أوساط مقربة من قوات سوريا الديمقراطية ضد «مجازر الساحل».

في الوقت نفسه، كان مجلس الأمن الدولي عقد جلسة مغلقة لمناقشة تلك الأحداث، ما أعطى انطباعاً بأن الإعلان عن الاتفاق جاء في توقيت دقيق لاحتواء تداعيات ما حدث، وتقديم مسار تفاوضي بديل عن التصعيد الدولي أو تحميل طرف بعينه مسؤولية الأحداث.

وفي خلفية هذا المشهد، لم تُخفِ مصادر في قوات سوريا الديمقراطية والحكومة السورية الدور المباشر الذي لعبته الولايات المتحدة في تسهيل التوصل إلى الاتفاق. وبحسب تلك المصادر، فقد تم نقل القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، بطائرة مروحية من طراز أباتشي من محافظة الحسكة إلى العاصمة دمشق.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن ضباطاً في التحالف الدولي كانوا على قناعة بضرورة تسريع خطوات الاتفاق، وذلك بهدف منع اتخاذ إجراءات أو قرارات دولية كانت قد تُتخذ رداً على أحداث الساحل.

وقد تؤدي إلى تقويض الانفتاح السياسي الغربي المتردد أصلاً على المرحلة الانتقالية الجارية في سوريا، واحتمال اندلاع حرب مباشرة بين قسد وقوات دمشق، ما يضع قوات التحالف في ورطة حقيقية. هذا الضغط الخارجي، في لحظة بالغة الدقة، دفع باتجاه تجاوز العقبات السياسية والذهاب إلى اتفاق يُمكّن العملية الانتقالية من الاستمرار، ويمنع انهيارها.

فثمة قناعة تتنامى لدى كثير من الدوائر الغربية والعربية أن انهيار العملية الانتقالية الآن، في ظل هشاشة المؤسسات الجديدة، سيقود إلى فراغ مديد قد تملؤه الفوضى أو التدخلات الإقليمية، ما يهدد بنسف المسار السياسي من أساسه.

نقطة مفصلية

إن التقدم في هذا المسار، إذا ما وُضع على سكة المتابعة الحثيثة، قد يشكّل نقطة انعطاف مفصلية في مسار سوريا الجديد، وفرصة فعلية لإنهاء الفوضى والانقسامات والبدء ببناء دولة لجميع السوريين، وفق رؤية وطنية تشاركية.