سوريا.. تفاؤل يصطدم بتعثر أمني وسياسي

سوريون يحلمون بالأمن والاستقرار في المرحلة الجديدة
سوريون يحلمون بالأمن والاستقرار في المرحلة الجديدة

شهدت سوريا خلال المئة يوم التي تلت سقوط نظام بشار الأسد، تحولاً سياسياً وأمنياً، ثم خطاً تنازلياً مع مرور الوقت. في البداية، بدت البلاد أمام فرصة تاريخية للخروج من ظلال النظام السابق، حيث ساند الشعب السوري القيادة الجديدة لتخطي حالة الفراغ السياسي والأمني التي خلفها سقوط النظام. كانت هناك أجواء من التفاؤل والانفتاح السياسي في الأسابيع الأولى، ما ساهم في رفع جزئي لبعض العقوبات القاسية المفروضة على سوريا.

لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً. في 6 مارس 2025، حدث تحول مفاجئ، عندما شنت فلول نظام الأسد هجمات على قوات الأمن الجديدة.

أسفرت هذه الهجمات عن مقتل العشرات من قوات الأمن الجديدة، ما أدى إلى تصاعد الأحداث الأمنية بشكل سريع. على إثر هذه الهجمات، شنت القوات الأمنية حملة أمنية، تخللتها حوادث انتقامية، أسفرت عن مقتل نحو 1500 مدني في منطقة الساحل السوري، وهو ما كان له تأثير بالغ في مشهد الاستقرار في البلاد.

لقد بدد التعامل الأمني مع تمرد فلول النظام، وحملة العقاب الجماعي للمجتمع في جبال الساحل السوري، معظم الرصيد الإيجابي الذي حصلت عليه القيادة الجديدة في بدايات حكمها. كانت هناك آمال كبيرة في تغيير حقيقي، لكن هذا التحول الأمني العنيف، ألقى بظلاله على العلاقة مع مكونات المجتمع السوري، ما أثر في موقف المجتمع الدولي الذي يراقب هذه التطورات عن كثب، ما أثار مخاوف من عودة سوريا إلى العزلة الدولية.

تحديات

في العموم، واجهت القوات العسكرية التي سيطرت على البلاد تحديات كبيرة، لا سيما في ظل الفوضى التي عمّت أغلب المناطق. كما تعرضت القوات الأمنية والعسكرية لعدة هجمات مسلحة، وعمليات اغتيال في مناطق متفرقة من سوريا، وكان ذلك يشمل جميع الأطياف في البلاد.

تزايدت الجرائم بشكل كبير، وزادت عمليات التصفية والمجازر على أساس الهوية الطائفية، والانتماء للنظام السابق، ما أسهم في خلق شرخ وطني عميق، وهو ما يعوق ولادة سوريا جديدة، تطالب بالديمقراطية والحرية والمساواة.

سعي حثيث

رغم العثرات الأمنية، استمرت الدبلوماسية السورية في السعي لتجنب العودة إلى حالة العزلة الدولية التي عاشها نظام الأسد لعقود. وأسهمت الدبلوماسية العربية في هذه الجهود، حيث كانت تسعى إلى إبقاء سوريا ضمن محيطها العربي والإقليمي، وتجنب السيناريو الذي أدى إلى إنهاء النظام السابق، وعزل سوريا دولياً. ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد، وعلى رأسها الشلل التام للاقتصاد، والعجز عن جذب الاستثمارات، كانت تمثل تهديداً للقدرة على تحقيق أي تحول إيجابي.

تزامن ذلك مع مخاوف كبيرة من تكرار السيناريو السابق، حيث كان المجتمع السوري يدفع ثمن فشل السلطة السابقة في إدارة الأزمات، وهو ما جعل السوريين يخشون تكرار هذه التجربة مع القيادة الجديدة.

مرحلة جديدة

أما على الصعيد السياسي، تم البدء بمرحلة جديدة، حيث تم وضع الأسس التي ستقود سوريا نحو المستقبل بعد سقوط النظام السابق. وفي إطار إعادة الهيكلة، بدأت وزارة الدفاع بتطوير هيكليتها، بينما شرع الجيش السوري في إعادة تنظيم صفوفه، في محاولة لاستعادة بعض من تماسكه السابق.

من أبرز الخطوات أيضاً، كان الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الذي حظي بتأييد غير مسبوق من المدنيين والسياسيين، على حد سواء. هذا الاتفاق كان بمثابة علامة فارقة في التوجه السياسي الجديد، لكن سرعان ما جاء الإعلان الدستوري، ليبدد الكثير من هذا التفاؤل.

صدر الإعلان الدستوري بعد يومين من الاتفاق مع «قسد»، ليحمل في طياته مبادئ دستورية لم تلقَ قبولاً واسعاً من جميع الأطراف السورية. فقد اعتبرته العديد من الأحزاب والقوى والشخصيات السورية المعتبرة، أنه لا يعكس التنوع السوري بشكل كافٍ.

وبالتالي، أصبحت التحديات التي تواجه القيادة الجديدة في التعامل مع هذا التنوع العميق في البلاد، أصبحت واضحة، حيث تتطلب العملية السياسية توسيعاً حقيقياً يشمل الجميع، وليس الاكتفاء بمبادئ دستورية، قد لا تعكس تطلعات جميع المكونات السورية.