ما دلالات التخفيض الأمريكي لبعثة دمشق في نيويورك؟

أثارت الخطوة الأمريكية بتخفيض الوضع القانوني لبعثة سوريا في الأمم المتحدة إلى مستوى حكومة غير معترف بها أمريكياً، قلق الدبلوماسية السورية من تداعيات على مستقبل العلاقات مع واشنطن، وتأثير ذلك على انفتاح المجتمع الدولي على سوريا.

حيث إن السياسة الأمريكية سرعان ما تتحول في العلاقات الدولية إلى بوصلة للدول الغربية، وتعيق كذلك أي مبادرات إقليمية للمساهمة في تعافي البلاد التي تعاني من حزمة تحديات أبرزها عدم وجود أي تعهد دولي يدخل في باب إعادة الإعمار حتى بعد مرور 4 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد. طبيعة الخطوة الأمريكية وسياقها القانوني بحسب التصنيف الجديد، لم تعد البعثة السورية تُعامل وفق الأعراف المعتمدة للدول ذات السيادة المعترف بها أمريكياً، بل ككيان يمثل حكومة لا تحظى بالاعتراف الرسمي من قبل واشنطن.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تبدو إدارية الطابع، وقد شملت دولاً أخرى تشهد أوضاعاً أمنية وسياسية مضطربة، إلا أن وضع سوريا في هذه القائمة يحمل دلالات سلبية على دمشق، في توقيت بالغ الحساسية، بعد 4 أشهر فقط على سقوط النظام السابق في دمشق.

من وجهة نظر قانونية، قد يُفسّر القرار على أنه انعكاس لتقدير بيروقراطي بحت ضمن جهاز الدبلوماسية الأمريكية، نابع من تقييم الوضع الأمني في سوريا، لا من موقف سياسي معلن من السلطة الناشئة، غير أن هذا التفسير لا يلغي واقع أن التصنيفات القانونية في السياسة الدولية كثيراً ما تكون أدوات سياسية متقدمة، تُستخدم للضغط، أو للتعبير عن مواقف دون إعلان رسمي مباشر.

ويمثل التخفيض تحولاً سلبياً في العلاقات السورية – الأمريكية، ويعقد احتمالات أي انفتاح دبلوماسي قريب.. فهو يشير إلى أن واشنطن لا تزال تتعامل مع سوريا كملف أمني غير محسوم، لا كدولة خارجة من مرحلة نزاع ومؤهلة لاستئناف علاقات طبيعية مع العالم..

وبهذا المعنى، فإن هذه الخطوة تؤثر في محاولات السلطة الجديدة في دمشق لإعادة تموضع سوريا في النظام الدولي، وإعادة بناء العلاقات مع الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. والمقلق أكثر لدمشق هو أن واشنطن غالباً ما تحدد بشكل مباشر أو غير مباشر، سقف التعاملات الدولية مع الدول الخارجة من النزاعات..

فالقرار الأمريكي يمكن أن يُقرأ من قبل دول غربية فاعلة (الاتحاد الأوروبي، كندا) باعتباره رسالة بوجوب تجميد أي خطوات تطبيعية مع سوريا إلى حين وضوح الرؤية الأمريكية.

وهو ما سيؤدي إلى تأخير أو حتى منع انخراط المجتمع الدولي في أي عملية إعادة إعمار أو استثمار أو دعم مؤسساتي للدولة السورية. في السياق، تأتي الخطوة الأمريكية في لحظة توازن حرج في الإقليم.

حيث تطرح مبادرات عربية وإقليمية لإعادة دمج سوريا في محيطها، بعد سنوات من العزلة. ومعظم الدول العربية بدأت بالفعل خطوات لإعادة العلاقات، إلا أن الموقف الأمريكي الأخير قد يقف عثرة في طريق تطوير هذا المسار العربي.

كما أن هذه الخطوة قد تؤثر سلباً على مشاريع التعاون الإقليمي التي تشمل سوريا، سواء في مجالات الطاقة أو الأمن أو الاقتصاد، إذ إن التعامل مع حكومة غير معترف بها أمريكياً يطرح مخاطر قانونية على الشركات والدول التي تنخرط في مشاريع داخل سوريا.

احتمالات تأثير

وفي حال لم يكن الإجراء الأمريكي روتينياً وقابلاً للتعديل، فإن هناك احتمال التأثير على سياسات السلطة في دمشق التي تقول إنها قامت بخطوات كبيرة على صعيد استعادة الأمن والاستقرار والانفتاح على دول الجوار والتخلي عن الخطاب العدواني للنظام السابق،.

وكل هذا لم يجدِ نفعاً، وربما يؤدي «فقدان الأمل» من إعادة دمج ناجحة لسوريا في المجتمع الدولي إلى غياب الجدية في استكمال هذا المسار لما يعرف بـ «الدبلوماسية الهادئة».

كذلك هناك خشية في دمشق من أن هذا التصنيف قد يستخدم لاحقاً لتبرير استمرار العقوبات الاقتصادية، أو لإعاقة مساهمة المؤسسات المالية الدولية في دعم إعادة الإعمار، أو منع سوريا من الوصول إلى أموالها المجمدة في الخارج، إذ إن الدول التي تصنف ضمن مناطق النزاع تخضع لقواعد صارمة في التبادل المالي والتجاري، ما يعمق مأزق التعافي الاقتصادي..

إضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات على إمكانية تحول سوريا إلى ساحة تنافس إقليمي، وفي لحظة يعاد فيها رسم النظام الدولي، تتضح ملامح معادلة جديدة:

الدول التي تخرج من النزاعات لا يعاد تأهيلها فقط بناء على تحولاتها الداخلية، بل وفقاً للتموضع الجيوسياسي الذي تقبله القوى الكبرى، ويبدو أن سوريا ما زالت تتأرجح في التموضع بين القوى الكبرى والإقليمية، وربما تبقى عالقة بين تصنيفين، الأول معلن، وهو دولة خارجة من الحرب، والثاني غير معلن وهو «ساحة حرب مؤجلة».

خطورة

لذلك، فإن خطورة التخفيض الأمريكي للاعتراف بسوريا رغم أنه قد يكون مؤقتاً، وأداة ضغط سياسية، إلا أنه يدخل سوريا في منطقة رمادية، تعيقها لاستعادة مكانتها الطبيعية، وتبقي مستقبلها السياسي والاقتصادي رهينة لمواقف خارجية لم تحسم بعد.

وما لم يتغير الموقف الأمريكي في المدى القريب، بمبادرات وضمانات عربية حول مستقبلها، فإن سوريا مهددة بالبقاء في حالة «جمود سياسي»، لا حرب ولا سلام، ولا اعتراف ولا قطيعة، وهو أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة خارجة للتو من حرب طويلة مدمرة.