راشد بن سعيد.. رؤية اقتصادية استشرفت نهضة دبي

برؤية استشرفت مستقبل دبي، وطموحات عانقت السماء، نجح المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراه، في وضع حجر أساس نهضة الإمارة الاقتصادية، وأسس، عبر تطوير بنية تحتية متقدمة ومشاريع عملاقة، مسيرة ريادتها التي غيّرت وجه المدينة، وحولتها خلال سنوات من إمارة صغيرة على ضفاف الخليج العربي إلى مركز تجاري واقتصادي عالمي.

تمكن الشيخ راشد من تحقيق ما ظنه الكثيرون مستحيلاً، فالمشاريع التي كان الكثير يرونها غير قابلة للتطبيق، كانت بالنسبة له مجرد تحديات يمكنه مواجهتها والتغلب عليها، فحققت دبي تحت إدارته طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والجسور التي تربط مناطق الإمارة وتوسيع خور دبي وتعزيز موقعها التجاري بإنشاء الموانئ حول الإمارة، فأصبحت دبي مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب.

خضعت دبي في عهد الشيخ راشد لعملية حقيقية من التغيير الشامل، في ظل حرصه على توفير مناخ ملائم للتجارة بهدف جلب التجارة والشركات العالمية لدبي، وأصدر في 1963 مرسوماً بتأسيس أول بنك وطني، هو بنك دبي الوطني المحدود، برأسمال قدره مليون جنيه إسترليني بعد أن كانت التعاملات المالية والمصرفية حكراً على المصارف الأجنبية.

عبر الشيخ راشد بن سعيد عن رؤيته الثاقبة ورغبته القوية في بناء مطار يضع دبي على خريطة الطيران العالمية، وفي الثلاثين من سبتمبر 1960، تم تدشين مطار دبي الدولي، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل نهضة دبي العالمية، لا سيما مع اعتماد سياسة الأجواء المفتوحة التي ساهمت في تحويل دبي إلى مركز عالمي مزدهر لحركة الطيران.

حرص المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، على تحويل دبي إلى مدينة متطورة ومركز تجاري بارز في المنطقة. ومن أبرز مشاريع هذا التحول كان مشروع تنمية خور دبي، الذي أُطلق في الخمسينيات.

وفي عام 1959، بدأت عملية تجهيز الخور للملاحة عبر تجريفه بسبب تراكم الطمي الذي أثر سلباً على حركة الملاحة، ومع انتهاء مشروع خور دبي في نهاية عام 1960، بدأت خطوط الملاحة تتدفق إلى المدينة، الأمر الذي شكل نقطة تحول تاريخية، فتحت آفاقاً جديدة أمام تنشيط الحركة التجارية والنمو الاقتصادي بدعم من زيادة تدفق التجار والمستثمرين إلى المدينة من مختلف أنحاء المنطقة والعالم. ف

ي أكتوبر من عام 1972 تم افتتاح ميناء راشد الذي جاء تتويجاً لتاريخ عريق لهذه الإمارة في مجال التجارة، وشكل عماد النهضة الاقتصادية لدبي، حيث قام الشيخ راشد بتشجيع الأعمال التجارية وتقديم الحوافز لرجال الأعمال، إلى جانب تشجيع خطوط الشحن الدولي للمجيء إلى دبي، ما حول الإمارة لمركز تجاري يربط بين الشرق والغرب.

بعد 4 سنوات من العمل الذي انطلق في عام 1967 عندما بدأت دبي بتوجيهات المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بإنشاء ميناء في المياه العميقة بطاقة استيعاب تصل إلى 4 مراس، تقرر بعد ذلك مضاعفة عدد المراسي ليصل إلى 15 مرسى عند إنجاز المشروع، وارتفع عدد الأرصفة ليصل إلى 35 في عام 1978 بما في ذلك 5 أرصفة كبيرة وعميقة لمناولة أكبر سفن الحاويات، في حينه.

بدأ الميناء العمل بكامل طاقته منتصف عام 1979. ومع بدء تشغيل الميناء، انطلقت التنمية الصناعية في منطقة قريبة، خصصت لإنشاء شركات كبيرة مثل ألمنيوم دبي (دوبال) وغاز دبي (دوغاز)، بالإضافة إلى مصنع للأسمنت ومصنع للحديد والصلب. كما تم استغلال الحرارة الناتجة عن صناعة الألمنيوم لتشغيل محطة لتحلية المياه تنتج نحو 35 مليون جالون يومياً بتكلفة 400 مليون دولار، مما جعلها واحدة من أهم المؤسسات الصناعية في الخليج. و

في عام 1977، أُسست شركة دبي للكابلات (دوكاب) بتكلفة 22 مليون دولار، ليصبح ميناء جبل علي أول منطقة حرة في الخليج. اهتم الشيخ راشد بكافة تفاصيل المشاريع المنفذة في الإمارة بشكل كبير، حيث كان لديه جدول يومي صارم يتضمن جولتين تفقديتين.

خلال هاتين الجولتين، كان يحرص على رؤية تقدم المشاريع بشكل مباشر. ولم يكن يكتفي بالحصول على معلومات عامة أو إجابات مختصرة، بل كان يسعى دائماً لمعرفة المزيد من التفاصيل الدقيقة، مما يعكس رغبته العميقة في أن يكون مطلعاً على كل ما يجري من أعمال في الإمارة.