الإمارات والهند.. تواصل حضاري وتأثر ثقافي متبادل

مشاركات الهند في الفعاليات الثقافية والاقتصادية المتنوعة في الإمارات فاعلة ومثمرة
مشاركات الهند في الفعاليات الثقافية والاقتصادية المتنوعة في الإمارات فاعلة ومثمرة

في زمن تتحاور فيه الحضارات وتتلاقى الشعوب عبر قرون من التبادل الثقافي والتجاري، تشكّل العلاقة بين الإمارات والهند نموذجاً فريداً لتأثير متبادل، عمّقته الجغرافيا، وعززته المصالح المشتركة، فصنعت منهما شريكين حضاريين منذ ما يزيد على قرن ونصف القرن.

وشائج عميقة شكّلها التواصل الدائم المتبادل بين الجانبين
وشائج عميقة شكّلها التواصل الدائم المتبادل بين الجانبين

وتأتي زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، إلى جمهورية الهند الصديقة، لترسخ هذا الإرث الحضاري العميق.

وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مختلف المجالات ومنها المجال الثقافي، حيث تعيد تسليط الضوء على ذلك الامتزاج الثري بين الثقافتين، إذ تركت الهند بصمات واضحة على الحياة اليومية في الإمارات، من المطبخ إلى العطور، ومن الأزياء إلى المفردات المتداولة في الشعر والحديث اليومي.

وتتبدى عبر الأبحاث المتخصصة وشهادات وتأكيدات الباحثين، أهمية حضور الثقافة الهندية في تفاصيل الحياة الإماراتية اليومية، من الملبس إلى المأكل، ومن العطور إلى المفردات اللغوية، وما بينهما من تراث مشترك يتجذر في التاريخ، بجانب عمق وتفرد العلاقات بين الجانبين منذ أمد بعيد.

سيف البدواوي
سيف البدواوي

وفي هذا الصدد، قال الباحث والمؤرخ في تاريخ الخليج العربي الدكتور سيف البدواوي، إن العلاقات بين دولة الإمارات وجمهورية الهند علاقات ضاربة في جذور التاريخ، ولم تنقطع منذ القدم.

حيث كان أثرياء الهند يحبون اللؤلؤ الخليجي ويستوردونه بكميات كبيرة، بينما استورد أهل الخليج معظم حاجاتهم من الهند، سواء للمعيشة أو الزينة أو حتى العطور.

وأضاف البدواوي :«كانت هناك تبادلات سكانية أيضاً، حيث سكن العديد من أهالي الإمارات في بومبي كتجار وطواشين، يبيعون اللؤلؤ في موتي بازار، في شارع محمد علي رود.

في المقابل، عاش الهنود في دبي وأبوظبي ومسقط، متنقلين لشراء اللؤلؤ والأسماك المجففة والتمور والخيول العربية، وبعضهم استقر نهائياً وأتقن اللغة العربية، وقدم تسهيلات مالية للتجار المحليين».

عطور بأسماء إماراتية

وتابع: «لقد أصبحت المصالح بين البلدين جزءاً من الحياة اليومية، فمثلاً من منا لا يستخدم العود ودهن العود الهندي؟ هذه العطور تدخل في الاستخدام اليومي والمناسبات مثل يوم الجمعة والأعراس والأعياد، حتى إن محلات العطور الهندية باتت تحمل أسماء إماراتية مثل«جميرا»، في مشهد يعكس التكامل والتأثير الثقافي المتبادل».

وأشار البدواوي إلى الحضور الكبير للمطبخ الهندي، قائلاً: «وجبة البرياني أصبحت مفضّلة عند الإماراتيين، بل وتفنن البعض في تسميتها بحسب الأقاليم الهندية مثل البرياني الحيدر أبادي.

كذلك انتشر مشروب «أفزا» خاصة في رمضان، إلى جانب مشروبات تقليدية، وشباب الإمارات تلذذوا بشاي الكرك والبراتا والجباتي، وأصبحت هذه الأكلات الخفيفة من عاداتهم اليومية». وأردف: «الإزار الهندي الأبيض أصبح زياً منتشراً يعكس الرجولة والبلوغ.

ويرتديه الصبي كعلامة نضج. أما ملابس النساء مثل بو تيلة، والبادلة، والبريسم، والمخورات بمختلف أنواعها، فجميعها تأتي من بومباي، حيث تتسوق النساء الإماراتيات من شوارع كولابا ومحمد علي رود».

وتحدث البدواوي عن زيارته الأخيرة إلى بومباي في مطلع العام الجاري، حيث التقى بالبروفيسورة «جايا» المتخصصة بتاريخ العلاقات الهندية الخليجية، فقالت له: إن أهل الخليج العربي ساهموا في تأسيس المسرح في الهند، كما شاركوا في إنشاء جمعية الصداقة الهندية العربية منذ الأربعينيات.

واستطرد البدواوي: «كانت المكتبات العربية في الهند منارات ثقافية لأهل الخليج العربي، ومنها كانوا يحصلون على الكتب والمجلات. وقد عبّر الشاعر إبراهيم المدفع عن هذا التعلق بالهند في قصيدة طويلة، يصف فيها جلسات العرب في المطاعم الشرقية ببومباي وهم يحتسون الشاي ويستمعون إلى إذاعة صوت العرب من القاهرة».

وختم البدواوي: «الثقافة الهندية حاضرة بقوة في تفاصيل حياتنا، كما أن دبي باتت حلماً يراود كل هندي، كما كانت الهند حلماً لأهل الخليج في الماضي».

قيمة وآفاق

فهد المعمري
فهد المعمري

وفي السياق، أوضح الباحث في التراث الشعبي فهد المعمري، أن زيارة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم إلى الهند تشكل منعطفاً جديداً في العلاقات الثقافية بين البلدين.

مشيراً إلى أن العلاقة بين البلدين ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى أكثر من قرن ونصف القرن، حيث تشكّلت وشائج ثقافية عميقة نتيجة التبادل المتواصل.

وتابع: «كثيرة هي الثقافات المتنوعة التي اكتسبها شعب الإمارات من الهند، فقد كانت الهند الوجهة الأكثر والأهم لأجدادنا، ولم تكن للسياحة فقط، بل كانت مزاراً يحمل بين طياته السياسة والاقتصاد والثقافة. كما أن المشهد الاقتصادي كان حاضراً بقوة، خاصة في قطاعات التجارة والملابس الرجالية والنسائية والحلي والعطور».

وأضاف: «ومن الأمثلة على الزي الإماراتي الذي تأثر بالهند لباس «المقصّر» أو الوزار والقميص، الذي كان قديماً مستخدماً بكثرة ولا يزال متداولاً بين كبار السن. أما في المطبخ، فإن ثقافة الطعام الهندي حاضرة بقوة في كل بيت إماراتي، من البرياني إلى خبز البراتا وغيرها من المأكولات، وأصبحت المطاعم الهندية تحتل مكانة مرموقة في الدولة».

مطابع هندية

وأردف: «الثقافة الهندية أثرت كذلك في الفكر والأدب الإماراتي، حيث كانت المطابع الهندية قبلة للأدباء الإماراتيين لطباعة كتبهم، مثل ديوان «أحكام النوى» للشاعر الراحل أحمد بن خليفة الهامي الذي طُبع في دلهي عام 1967، وكتاب «اللآلئ» عن أوزان ومثاقيل اللؤلؤ، الذي طُبع في بومباي على نفقة سعيد المدفع. وكان لأحد أبناء عائلة المدفع صالون أدبي يقصده الأدباء والمثقفون».

وأشار المعمري إلى التأثير اللغوي أيضاً بين البلدين، حيث قال: «اللغة الهندية دخلت إلى لهجة الإماراتيين، خاصة في مجالات البحر والاقتصاد والطب والأدب.

كما استخدم الشعراء الإماراتيون العديد من الكلمات الهندية في أشعارهم النبطية نتيجة لكثرة السفر والتجارة والعلاج في الهند، مثل كلمة «باياه» التي تعني الاندهاش، و«النوخذة» التي تعني مالك السفينة وأصلها الناخداه أو ناوخدا وعربت إلى نوخذا والجمع نواخذه واستعملت كثيراً في الشعر النبطي في الإمارات».

واستشهد ببعض الأبيات النبطية التي تضم مفردات هندية، منها قول الشاعر ربيع بن ياقوت:

رحّب وقال تْفضّل يْلس

بسّ اندهشت وْقلت باياه

ويقول الشاعر محمد المطروشي:

كنّي بتخت الملك في راس مقصور

في بنقله ولاّ من الهند بازار

أما الشاعر سالم الدهماني فيقول:

شروى الخَلَق الابيض مع الدم

لو يغسله الدوبي فلا طار

وختم المعمري: «الهند كانت ولا تزال حاضرة في وجداننا، وتأثيرها الثقافي لا يمكن إنكاره».

مسارح الإمارات تحتضن الفنون الهندية
مسارح الإمارات تحتضن الفنون الهندية