حيثما وجدت كارثة أو أزمة في أية منطقة من مناطق العالم تسارع يد الإمارات البيضاء لبلسمة الجراح والإغاثة، أو للمساعدة في الحلول السلمية، وتنشط دبلوماسيتها المشهود لها سعياً لتغليب الحكمة ولغة العقل والحوار في سبيل إحلال السلام والأمن والاستقرار في ربوع العالم، وفق منهج وطريق اختطه الدولة على يد الوالد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
في السودان، الذي تمزقه الحرب منذ عامين، ومع دخول الصراع عامه الثالث، لم تألُ دولة الإمارات جهداً، ولم تدخر أي محاولة، على مدار شهور الحرب في سبيل رأب الصدع بين مختلف الأطراف السودانية، لوقف النار، وضمان عودة الأمن والاستقرار، والحفاظ على مقدرات الشعب السوداني، حيث دعت من على أكثر من منبر، الأطراف المتحاربة إلى وقف الأعمال العدائية، ووضع مصلحة الشعب السوداني في المقام الأول قبل أهدافها وأجنداتها الضيقة.
الإمارات تعتمد رؤية واضحة لحل أزمة السودان تدفع نحو حل سياسي عاجل يحفظ البلاد، إيماناً منها بأن الشعب يستحق العدالة والسلام، حيث إنه منذ أن بدأت الحرب في السودان تحركت الإمارات على أكثر من مستوى لنزع فتيل التوتر منها، والحيلولة دون تفاقمها، وكان جهدها في طليعة الجهود العربية والدولية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة، وتحقيق خطوات ملموسة عبر ما تبذله من جهود رفيعة المستوى في دعم فرص الحوار والتوافق، وإيجاد مخارج وحلول وتسوية للأزمة، والدفع نحو إيجاد مسار توافقي بين الأطراف السودانية كافة، ما يضفي على هذا البعد أهمية، خاصة أن الإمارات تمارسه وفق مبادئها في نشر السلام والأمن والاستقرار ومبادئ التعايش السلمي، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو عرقية أو دينية أو جغرافية، فهو ترجمة لنزعات الخير والإنسانية، وهذا هو السبب الذي يجعل الجميع يتطلع إليها وإلى مساهمتها في التعامل مع المشكلات والأزمات في المنطقة، ويثق بمواقفها وتوجهاتها.
دعم السلام
موقف دولة الإمارات الداعم لجهود السلام، الذي يعبر عن مبدأ ثابت في سياساتها الخارجية منذ إنشائها في عام 1971، وهو العمل من أجل السلام ونشره في العالم، أوجد لها رصيداً إيجابياً ضخماً لدى الشعوب والحكومات على السواء في العالم العربي وخارجه، حيث تبرز دولة الإمارات بمواقفها الرصينة، التي تستمدها من مستودع الخبرة والحكمة، الذي لا ينفد.
الإمارات تعد قوة استقرار إقليمية أساسية تدعو إلى التوافق والسلام والتنمية ونبذ العنف، ولم تتأخر في التحرك دبلوماسياً وإنسانياً، من أجل تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء مصالح السودان العليا، والحفاظ على أمنه واستقراره، إذ إن تركيزها الأساسي انصب - ولا يزال - على الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف الاقتتال الداخلي، الذي يجري في السودان في أسرع وقت، كما دعت إلى محاسبة المسؤولين عن الفظائع والانتهاكات، وإنشاء آلية لمراقبة دخول الأسلحة إلى السودان، وتشكيل حكومة مدنية مستقلة.
حل سلمي
وأشارت بيانات الدولة في العديد من المناسبات، إلى أن الطريقة الأكثر فعالية لحماية المدنيين في السودان هي تنفيذ وقف إطلاق نار فوري ودائم، داعية الأطراف المتحاربة إلى وقف الأعمال العدائية، ووضع الشعب السوداني في المقام الأول قبل أهدافها العسكرية.
كما أن الإمارات تعمل مع كل الأطراف المعنية والشركاء الإقليميين والمجتمع الدولي من أجل إيجاد حل سلمي للصراع سعياً لوقف التصعيد وإطلاق النار، حيث تؤمن الدولة بأن التحديات الكبيرة التي تواجه العالم وتهدده بشكل مباشر، لا يمكن التصدي لها إلا من خلال التعاون والتكاتف، وقد استضافت المؤتمر الإنساني في أديس أبابا في 14 فبراير الماضي، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة، بهدف الدعوة إلى هدنة رمضانية، وتهيئة مناخ سياسي جديد، يعيد السودان إلى مسار الاستقرار، فهي دولة داعية إلى السلام، ورافضة للحروب، وتدعو على الدوام لحل أي نزاعات، مهما كانت شدتها، عبر الآليات السياسية السلمية.
نهج فاعل
وغني عن القول إن أهم ما يميز النهج الإنساني للدولة أنه «نهج فاعل»، وله تأثيره الحقيقي في الواقع سواء من خلال الحراك الدبلوماسي الفاعل أو الإسهامات المالية، التي تقدم إلى الهيئات الإنسانية الدولية المعنية، أو ما تؤديه المؤسسات الإنسانية والخيرية الإماراتية من دور مباشر في تقديم المساعدات للسودانيين، حيث إنه منذ بدء الأزمة أسهمت الدولة بأكثر من 600 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهدت بها في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان، الذي عقد في أديس أبابا، ليصل بذلك مجموع ما قدمته الإمارات خلال السنوات العشر الماضية 3.5 مليارات دولار قيمة المساعدات الإنسانية للشعب السوداني.
وعلى مدى عامين من عمر الأزمة شكلت المبادرات والمساعدات الإنسانية الإماراتية طوق النجاة لأعداد كبيرة من المتضررين نتيجة النزاع الدائر في السودان، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص.
وأطلقت الإمارات جسراً جوياً لنقل المساعدات الإنسانية للشعب السوداني، والذي أرسلت من خلاله 162 طائرة حملت مختلف أنواع المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية. وتعمل على حث الأطراف المتحاربة، لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر حاجة إليها.
الإمارات أثبتت للعالم أنها عنوان للخير والإنسانية، ونموذج يبعث على الأمل في إمكانية نزع فتيل النزاعات، وهذا لم يأتِ من فراغ وإنما من تاريخ طويل من المواقف الإماراتية الرصينة والحكيمة، حيث تتسم صورتها في أذهان الشعوب ودول العالم في كل مكان بالنصاعة والإيجابية.