عاد التجاذب والاستقطاب بين الفرقاء السياسيين في ليبيا لينذر بتعميق الانقسام والإطاحة بمبادرات الحل سواء المطروحة من الأمم المتحدة أو من الاتحاد الإفريقي أو من خلال الجهود المبذولة من قبل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في تواصلها مع الأطراف الداخلية.
ويرى مراقبون، أن الصراع القائم حالياً بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب لا يعني المجلسين فقط وإنما يعبر عن طبيعة الخلافات العميقة بين السلطات القائمة سواء في طرابلس أو في بنغازي، ويمكن أن يدفع نحو إبقاء الوضع على ما هو عليه أو الدفع به إلى مزيد من التأزم.
ورأى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، أن مجلس النواب سلطة تشريع انتقالية مؤقتة مدد لنفسه من دون استفتاء الشعب، وفق ما ينص الإعلان الدستوري بشكل صريح، وذلك لظروف أمنية منعت ذلك الاستحقاق الدستوري حينها.
وأوضح المنفي أن المرحلة الانتقالية تشترط إعلاء التوافق والتكامل والتوازن بين المؤسسات والسلطات صوناً لوحدة ليبيا وسيادتها المستهدفة من مشاريع خارجية، مشيراً إلى أن مجلس النواب هو سلطة تشريع انتقالي مؤقت مدد لنفسه دون استفتاء الشعب كما ينص الإعلان الدستوري بنص صريح، وذلك لظروف أمنية منعت ذلك الاستحقاق الدستوري حينها، معتبراً أنها قد زالت اليوم مع حالة الاستقرار والإعمار الذي تشهده البلاد، وفق قوله.
وتعمق الخلاف بين المجلسين بسبب المحكمة الدستورية التي صادق عليها مجلس النواب وتم إنشاؤها في بنغازي وفق نص قانوني دخل رسمياً حيز التنفيذ. وقال المنفي في خطابه، إن ما لاحظه المجلس الرئاسي من محاولات مستمرة للهيمنة على السلطة القضائية من خلال أداة التشريع في غياب النصاب الدستوري والقانوني عن جلسات البرلمان وانعدام الشفافية والإفصاح وإجراء تعديلات للقوانين المنظمة للسلطة القضائية.
تعميق شقاق
وفي رد على خطاب المنفي، اعتبر رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، أسامة حماد، خطوة المجلس الرئاسي التي طالب فيها مجلس النواب بإلغاء قانون المحكمة الدستورية، محاولة جديدة لتعميق الشقاق والانقسام بين مؤسسات الدولة، وأهمها مجلس النواب.
وأوضح في بيان أن خطاب الرئاسي الموجه لمجلس النواب يحتوي على جملة من المغالطات والتناقضات، مضيفاً إن القانون صدر من جهة تشريعية مختصة، ويرسخ رقابة الدستور على كل القوانين والتشريعات في مؤسسة قضائية مستقلة عن القضاء العادي.
ورأى حماد أن الرئاسي المنتهي ولايته قد أصدر قرارات مخالفة للتشريعات السارية والاتفاق السياسي متجاوزاً بها حدود صلاحياته الممنوحة له، لافتاً إلى أن رئيس وأعضاء مجلس النواب قد تم انتخابهم من عموم الشعب الليبي الذي أعطاهم الحق في أن يمثلوه في سلطة إصدار القوانين والقرارات، وأنه هو الجهة الوحيدة المنتخبة حالياً، معتبراً ن تصرفات ومواقف المجلس الرئاسي من شأنها أيضاً تقويض كل الجهود المبذولة من كافة الأطراف لتوحيد مؤسسات الدولة.
احتدام جدل
بالتزامن، يحتدم السجال بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب حول موضوع الاستفتاء الشعبي الذي تعتزم سلطات طرابلس إجراءه للإطاحة بشرعية البرلمان، وذلك بالاعتماد على المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني التي أصدر المجلس الرئاسي قراراً بإنشائها في 11 أغسطس 2024، بينما رفض مجلس النواب الاعتراف بها، واعتبر تأسيسها من خارج صلاحيات الرئاسي ومناقضاً لقانون إنشاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وفي الثالث من أكتوبر الماضي، اتفق المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة على تفعيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني في إطار الجهود المبذولة لدفع المسار الديمقراطي، مع التأكيد أن المرحلة تتطلب تنسيقاً فعالاً بين مختلف الجهات لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي بما يخدم مصالح الشعب الليبي، وفق ما ورد في بيان حكومي.
وأمدت مصادر من داخل البرلمان، أن أي خطوة قد يخطوها المجلس الرئاسي لاستفتاء الشعب على شرعية البرلمان، سيتم الرد عليها مباشرة بتنظيم استفتاء على طبيعة النظام السياسي وإقرار النظام الفيديرالي والعودة بالبلاد إلى دستور 1951 من خلال تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم وإقرار ما يستوجبه الوضع الجديد من إقامة المؤسسات وتوزيع الثروة وفق خارطة إنتاجها.