بعد فوزه التاريخي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، شرع دونالد ترامب في الإعلان عن اختياراته لتشكيل إدارته الجديدة، والتي كان يتوقع ألا تخرج عن دائرته المقربة والمتقاطعين معه فكرياً والمؤمنين بنهجه وشعاراته، لكنه فاجأ الأميركيين بتوسيع طيف إدارته لتستوعب شخصيات من مشارب متعددة، يناقض بعضها مبادئ الحزب الجمهوري، لتثور التساؤلات حول ما يرمي إليه الرجل.
يقرأ البعض في اختيارات ترامب محاولة جريئة للدخول إلى منظومة البيروقراطية الراسخة، وتفكيكها من الداخل، ونرى ذلك جلياً في اختيار إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي الممثلين لجيل ريادة الأعمال المتحرر من البيروقراطية ودهاليز السياسة، موكلاً إليهما إعادة رسم خارطة السلطة في واشنطن بما يتوافق مع تطلعاته الشعبوية، وليدخل مواجهة مفتوحة مع "الدولة العميقة".
أحد مظاهر تلك المواجهة رصد في تقرير لموقع "أتلانتيك"، حيث لفت إلى تعامل الإعلام الأمريكي، في كثير من الأحيان، مع الشخصيات المقربة من ترامب بمنطق يختلف عن بقية المسؤولين، يتم فيه التركيز المكثف على العيوب الشخصية، ما يعد تحاملاً على إدارة لم تبدأ عملها فعلياً.
تشير دراسة نشرها معهد بروكنغز إلى أن الصراع بين ترامب والدولة العميقة ليس مجرد أسطورة سياسية، بل انعكاس حقيقي لتضارب المصالح المتولد بين رؤية شعبوية تُهدد النخب التقليدية، ورؤية بيروقراطية تسعى للحفاظ على الوضع الراهن. وبناء على ذلك يمكن فهم اختياراته التي يرى أن باستطاعتها مواجهة الأجهزة الحكومية الكبيرة وترى في نفسها جزءاً من الثورة السياسية التي تسعى لتغيير قواعد اللعبة تماماً.
لكنَّ تقريراً نشره موقع إكسيوس، ابتعد عن تلك النظرية، زاعماً أن ما يرمي إليه ترامب هو تحويل الحزب الجمهوري إلى حزب شعبي متنوع الأيديولوجيات، يضم في صفوفه مؤيدين لكل شيء من حقوق الإجهاض إلى حيتان سياسات العمل والاقتصاديين.
بنظرة على القائمة المختارة حتى الآن، نجد الدليل على ذلك حيث اختير روبرت ف. كينيدي جونيور المعروف بمواقفه المؤيدة لحقوق الإجهاض، لتولي وزارة الصحة والخدمات الإنسانية فقط، وتم تعيين تولسي جابارد، النائبة السابقة عن ولاية هاواي والمرشحة الديمقراطية للرئاسة، لتولي منصب مدير الاستخبارات الوطنية. كما اختير سكوت بيسنت، الذي كان مستشاراً للملياردير جورج سوروس، لقيادة وزارة الخزانة، وهو اختيار غير متوقع نظراً لارتباط بيسنت بمؤسسات مالية لطالما عادت سياسات ترامب الاقتصادية.
هذه الاختيارات، رغم صدمتها لكثيرين، تعكس عملية تحول فكرية يخضع لها الحزب الجمهوري، الذي بات في نظر بعض المحللين، أقرب إلى "حكومة ائتلافية" على الطراز الأوروبي، حيث يتجمع الأعداء الفكريون تحت سقف واحد متحدين في نسخة ترامبية الفكر والمنهج ترفع شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
وسواء كان ترامب يرمي إلى تفكيك الدولة العميقة وهدم بيروقراطيتها المثقلة، أو كان هدفه "تحديث" الحزب الجمهوري ليصبح شعبوياً تتسع آفاقه لأطياف لم يكن لها مكان فيه، ستكون المصادقة على هذه التعيينات بداية لحقبة قد تغير وجه السياسة الأمريكية في السنوات القادمة.