العديد من التحالفات والتغييرات في الاستراتيجيات تشهدها الانتخابات الأمريكية قبل المواجهة المرتقبة بين نائبة الرئيس الأمريكي الحالية كامالا هاريس مرشحة الحزب الديموقراطي، والرئيس السابق دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، حيث يبدو في الأفق أن كل مرشح نجح في سرقة رهانه على فئات مضمونة للآخر، فالرهانات على المصوتين بين الحزبين تغيرت ليبقى مصير الانتخابات ونتيجتها غامضاً وغير محسوم أو مرجح لصالح كفة على حساب الأخرى.
هاريس أصبحت تحقق أداءً أفضل مع كبار السن، مما أثار التكهنات بأنها قد تفوز حتى بشريحة ديموغرافية كبيرة كانت معروفة بميلها سابقاً للجمهوريين، وفي الوقت نفسه، يستقطب ترامب المزيد من دعم الناخبين ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية، وخاصة الذكور، مما يقلص الفجوة التي كانت تعيق المرشحين الجمهوريين للرئاسة في الماضي.
لذا، فإن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ليست فقط سباقًا رئيسيًا لتحديد من سيقود البلاد، ولكن أيضًا واحدة من أولى المسابقات التي قد تشهد صراعات جديدة، قد يبدو البعض منها عرقياً.
ويبدو أن الأيام الخوالي التي كان فيها الجمهوريون يعتمدون على دعم كبار السن – الذين يعتبرون من بين الناخبين الأكثر مواظبة على التصويت – قد ولت، بعدما مالت تلك الفئة بشكل واضح خلال الأيام الماضية، وفقا لاستطلاعات رأي، ناحية هاريس والحزب الديموقراطي، الأمر الذي يجعل الحزب الجمهوري أمام تحدٍ كبير لاستقطاب فئات أخرى، البعض منها يعد مغامرة، مثل فئة الشباب، الذي هم غير مواظبين على الإدلاء بأصواتهم، وبالتالي استمالتهم مغامرة غير محسومة.
وقال جمال سيمونز، وهو استراتيجي ديمقراطي ومدير الاتصالات السابق لمكتب هاريس كنائبة للرئيس، في تصريحات لـ«إيه بي سي» الأمريكية: "تشير الاتجاهات إلى أننا لا نستطيع أن نعتبر الناخبين مضمونين، ولا يستطيع أي من الحزبين أن يفعل ذلك. التحالفات تتغير".
وتشير استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا إلى أن تفضيلات الناخبين تتغير مع اقتراب الانتخابات دون وقت كافٍ لفهم ما تعنيه هذه التغيرات.
أظهر استطلاع أجرته CNNالشهر الماضي أن هاريس تتفوق على ترامب بنسبة 50-46 بين الناخبين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق، ولم يفز أي مرشح ديمقراطي للرئاسة بهذه الفئة منذ آل غور في عام 2000.
وفي الوقت نفسه، أظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو أن ترامب يحظى بدعم 14% من الناخبين السود و38% من الناخبين اللاتينيين، مقارنة بنسبة 79% و54% لهاريس على التوالي. في عام 2020، فاز الرئيس جو بايدن بدعم 87% من الناخبين السود و65% من اللاتينيين.
وحصل بايدن على دعم 79% من الرجال السود و59% من الرجال اللاتينيين قبل أربع سنوات. وفي استطلاع بيو، انخفضت هذه النسب إلى 72% لهاريس بين الرجال السود و53% بين الرجال اللاتينيين.
هذه الأرقام المتغيرة تضع الحملات الانتخابية والمحللين السياسيين في حالة من الارتباك، حيث يحاولون فهم سبب تغير تفضيلات الناخبين بهذه الطريقة، ومدى استمرار هذا التغير بعد الخامس من نوفمبر.
وتكهن استراتيجيون من كلا الحزبين بأن كبار السن الذين ينتقلون لدعم هاريس قد يكونون مدفوعين بمواقفها المتعلقة بالطبع والرعاية الصحية، وربما متأثرين بأحداث الشغب في 6 يناير 2021 في الكابيتول، والهجمات المتكررة من الديمقراطيين بأن الجمهوريين سيستهدفون البرامج الاجتماعية التي طالما كانت محل اهتمام.
الديموقراطيون وكبار السن
وقال جون أنزولوني، وهو خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي الذي يجري استطلاعات لحملة هاريس وجمعية «AARP»: "الديمقراطيون قدموا الكثير لكبار السن، مثل تحديد سعر الأنسولين بـ35 دولارًا، ووضع حد أقصى بقيمة 2000 دولار على الأدوية الموصوفة، والتفاوض مع برنامج ميديكير، وما إلى ذلك، لديهم ميزة في أن الناخبين يثقون بهم أكثر فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي وميديكير مقارنة بالجمهوريين، وأعتقد أن هناك جانبًا نوعيًا، وهو أن كبار السن لا يرون أن ترامب هو نوع الجمهوريين الذين يفضلونهم. لا يحبون سلوكه".
في الوقت نفسه، يُعتقد أن الناخبين السود واللاتينيين يميلون أكثر نحو الحجج الاقتصادية بدلاً من القضايا العرقية التي كان الديمقراطيون يعتمدون عليها لفترة طويلة، ويقول الخبراء إن هؤلاء الناخبين تحدوا التفكير التقليدي الذي يرى أنهم مهتمون بشكل أكبر بالقضايا الثقافية، وبدلاً من ذلك يأخذون في الاعتبار مخاوف مشابهة للناخبين من الطبقة العاملة البيضاء.
أنماط التصويت اللاتينية
وقال مايك مدريد، وهو استراتيجي جمهوري يدرس ويكتب عن أنماط التصويت اللاتينية: "ما تراه هو هذا التحول في أمور مثل الأصول، حيث أصبح الناخبون السود والبنيون يميلون أكثر إلى الحزب الجمهوري لأسباب ليست عرقية بشكل واضح، هذا التفاعل الغريب بين العرق، والطبقة الاقتصادية، والتعليم الجامعي يحدث بطرق فريدة تعيد تشكيل التحالفات".
وأضاف: "الحزب الديمقراطي أصبح أكثر بياضًا وأقل تنوعًا، ويركز على الناخبين من التقدميين البيض المتعلمين في الجامعات، الذين يتمتعون بعزلة أكبر عن الاقتصاد والصدمات الاقتصادية مثل التضخم والركود، هذه ليست قضايا مهمة لهم، ما يهمهم هو حقوق الإجهاض، والسيطرة على الأسلحة، والمساواة في الزواج".
وقال جمال سيمونز: "يجب على الديمقراطيين الحديث عن القضايا التي تهم الرجال، وغالبًا ما تكون القضايا الاقتصادية، خصوصًا تلك المتعلقة بالطموحات. الرجال يريدون القدرة على إعالة أسرهم، والمساهمة في المجتمع، والحصول على المكانة التي تأتي مع وظيفة أو عمل جيد".
كل مرشح يبذل جهدًا لتقليل خسائره. ترامب تفاخر بخطته لإنهاء الضرائب على دخل الضمان الاجتماعي، في حين تشن هاريس حملة إعلامية مكثفة لإعادة الرجال السود إلى صفها، حيث تظهر في برامج إذاعية رئيسية وتستخدم الرئيس السابق باراك أوباما لتوجيه رسالة صارمة لأولئك المترددين في انتخاب امرأة رئيسة.
سيضطر البلد للانتظار أسابيع قليلة فقط لمعرفة ما إذا كانت هذه الجهود ستؤتي ثمارها في هذه الانتخابات، حتى أكثر الخبراء خبرة ليسوا متأكدين مما سيحدث بعد السادس من نوفمبر.
معركة ترامب الأخيرة
وصرح ترامب أن هذه ستكون آخر معركة انتخابية له، وربما لن يتكرر تأثيره الفريد على الحزب الجمهوري، مما يعني أن اليوم الذي يترك فيه المسرح – متى ما حدث ذلك – قد يشكل لحظة فارقة في السياسة الأمريكية.
وقال المحلل الجمهوري ويت أيرس عند سؤاله عما سيحدث بعد ذلك: " لا أملك كل الإجابات الصحيحة، لا أجرؤ على التنبؤ بما سيبدو عليه الحزب دون شخصية هيمنت على الحزب خلال السنوات الثماني الماضية".
يعتقد بعض الاستراتيجيين أن الديناميكيات ستعود إلى طبيعتها – حيث يعود كبار السن إلى الجمهوريين ويعود الناخبون الملونون إلى الحزب الديمقراطي، مشيرين إلى أن الشخصيات الفريدة في سباق هذا العام هي التي تقود هذا التحول، كما يتضح من الاتجاهات التقليدية التي تظهر في بعض السباقات الأدنى على ورقة الاقتراع.
وقال الاستراتيجي الديمقراطي تشاك روشا: "إذا اختفى (ترامب)، إذا هزمناه، أعتقد أن كل شيء سيعود إلى ما كان عليه طالما أن لديك مرشحًا ديمقراطيًا قويًا". وأضاف: "لا أرى كل هذه الفرص بمجرد أن يختفي دونالد ترامب، لأن ظاهرة دونالد ترامب تحدث فقط مع وجود دونالد ترامب".
شريحة الشباب
وأضاف مصدر مطلع على تفكير حملة هاريس لـ«إي بي سي»: "أعتقد أن ترامب يُعتبر أفضل في الاقتصاد لدى شريحة من الناخبين الشباب أكثر من معظم الجمهوريين. لذا، أعتقد أن من الصعب على الجمهوريين ككل تقليد هذا النجاح".
واختلف آخرون، مشيرين إلى أن الاتجاهات التي تنتج التغييرات، مثل صعود الشعبوية، كانت تتزايد قبل ترامب وستستمر بعد مسيرته السياسية.
وقال الاستراتيجي الجمهوري مايك مدريد: "لا أعتقد أن ترامب هو المحرك الرئيسي لهذا. هذه الديناميكيات بدأت قبله".
وأضاف: "لا أعتقد أن من الواضح أن مجموعة واحدة ستستفيد أكثر من الأخرى. ما نراه هو تحرك كل هذه الأجزاء بعيدًا عن الطيف اليميني-اليساري إلى طيف بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا".