تبرز في قلب الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس دونالد ترامب، حلقة ضيقة من رجالات نافذين، يمسكون خيوط اللعبة السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية في الولايات المتحدة، حيث تجمعهم صلات شخصية قديمة مع الرئيس وثقة غير مشروطة في رؤاه، وفق تقرير موسع نشرته مجلة "بوليتيكو".
في وسط هذه الدائرة، يأتي هوارد لوتنيك، وزير التجارة الحالي وصديق ترامب القديم، الذي يوصف بأنه "الأقرب إلى الرئيس على الإطلاق"، وقد ظهر اسمه مراراً كمحرّك رئيسي خلف سياسة "يوم التحرير" التي فرضت تعرفة جمركية على الصين بلغت 145%.
ورغم الانتقادات الواسعة من الدوائر الاقتصادية وبعض حلفاء ترامب، ظل لوتنيك محتفظاً بموقعه داخل الإدارة بفضل ما يصفها "قوته الخارقة" وهي علاقته الشخصية بالرئيس.
وبحسب التقرير، فإن علاقة ترامب بلوتنيك تمتد لعقود من الزمن، وتوثقت أكثر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، التي فقد فيها لوتنيك أكثر من 650 من موظفيه في برجي التجارة العالمي، ولاحقاً، حين أصيب بالسرطان عام 2021، حيث كان ترامب يتصل به دورياً للاطمئنان على حاله.
في المقابل يعد لوتنيك من كبار المتبرعين لحملة ترامب، إذ تبرع بأكثر من 10 ملايين دولار وجمع له 75 مليون دولار أخرى عبر علاقاته في وول ستريت.
قوة هادئة
لوتنيك ليس الشخصية الوحيدة التي تعتمد على القرب الشخصي للبقاء في قلب القرار، فهناك سوزي وايلز، مديرة موظفي البيت الأبيض، والمرأة التي قادت حملة ترامب 2024، تتمتع بثقة نادرة، وتُعرف بأنها "القوة الهادئة" التي تحرص على ضبط إيقاع العمل الداخلي، والتقليل من التسريبات والمشاحنات.
يقول عنها مصدر في البيت الأبيض: "سوزي وايلز لا ترفع صوتها، لكنها تعرف متى تحسم الأمور، وهي الوحيدة التي تستطيع مصارحة الرئيس عندما يخطئ".
من جهة الأمن القومي، تواجه الإدارة تحديات داخلية، أبرزها فضيحة "سيغنال غيت" التي تورط فيها مايكل والتز، مستشار الأمن القومي، حين أضاف بطريق الخطأ صحفياً إلى مجموعة مغلقة تضم كبار مسؤولي الدفاع.
وعلى الرغم من ضغوط بعض مستشاري ترامب لإقالته، رفض الرئيس ذلك علناً، مبرراً بأنه لا يريد أن يبدو وكأنه يرضخ لضغوط الإعلام الليبرالي.
توترات داخلية
الصراع الأبرز داخل الحلقة الضيقة جاء بين لوتنيك وحلفاء جدد لترامب، ظهروا في العام الأخير قبل الانتخابات، مثل الملياردير إيلون ماسك، الذي دعم ترامب مالياً ويرغب في لعب دور أكبر داخل الإدارة، وبحسب تقرير نشرته "أكسيوس"، وقعت مشادة علنية بين ماسك وبوريس إبسشتاين، مستشار ترامب القانوني السابق، خلال عشاء خاص في منتجع مارالاغو، حيث اتهم ماسك إبسشتاين بتسريب معلومات وممارسة ضغوط للحصول على مكاسب شخصية، فيما نفى الأخير كل الاتهامات.
لاحقاً، كشفت "واشنطن بوست" عن تحقيق داخلي توصل إلى أن إبسشتاين طلب مبالغ مالية من مرشحين لمناصب مقابل دعم ترشيحهم، وعلى إثر ذلك، قرر ترامب إبعاده من الهيكل الرسمي للإدارة، رغم احتفاظه بعلاقة غير رسمية به، وفق تقرير "بوليتيكو".
ورغم محاولات سوزي وايلز فرض بعض الانضباط المؤسسي، إلا أن النمط السائد في البيت الأبيض لا يزال يدور حول شخصية ترامب وعلاقاته الخاصة، حيث يأخذ قرارات كبرى بناءً على حدسه ومشاورته دائرته من المقربين إليه.
يرى مراقبون أن ما يجري هو محاولة لفرض نظام "رئاسي شخصاني" يعتمد على الحلقة الضيقة بدلاً من المؤسسات، محذرين من انزلاق الإدارة إلى حالة من الفوضى تحت غطاء الولاء والثقة.
فهل سيبقى ترامب على قناعته بأن من يثق بهم هم الأقدر على تنفيذ أجندته "دون تردد أو تحايل"؟