تحسم اليوم الثلاثاء المنافسة في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، لخلافة جو بايدن الذي قضى 4 سنوات في البيت الأبيض. ولا شك في أن انتخابات اختيار الرئيس السابع والأربعين هي الأغرب في تاريخ أمريكا، حيث تخللتها الكثير من المشادات الكلامية والفضائح، محاكمات قضائية، إدانات في قضايا جنائية، محاولات اغتيال، وتنحٍ متأخر للرئيس جو بايدن من السباق، وتشهد حالة من عدم اليقين مع تقارب استطلاعات الرأي وتهديدات بالعنف، حيث إن الناخبين الأمريكيين على وشك اتخاذ قرار قد يؤثر على البلاد والعالم لعقود قادمة، ما يستدعي وقتاً للتفكير في العواقب.
ما يزيد على 78 مليون ناخب أمريكي قاموا بالاقتراع المبكر في الانتخابات الرئاسية، في مؤشر على تاريخية هذه الانتخابات ودرجة الاستقطاب السياسي الكبيرة التي تمر بها الولايات المتحدة. من الممكن أيضاً أن تظهر بعض النتائج بشكل أبطأ هذا العام بسبب التغييرات في الطريقة التي تدير بها الولايات الفردية انتخاباتها منذ عام 2020، بما في ذلك جميع الولايات السبع المتأرجحة التي ستحدد في النهاية مسار الانتخابات.
حسم السباق
الخبراء الاستراتيجيون في الحملات الانتخابية الأمريكية، لا يستطيعون الجزم بمن سيحسم السباق، حيث يبدو أن القرار سيكون بيد «المترددين»، إلا أن الأجواء تبقى متوترة مع بروز جدل سياسي - إعلامي شبه يومي ومخاوف من وقوع أعمال عنف بعد الخامس من نوفمبر، خصوصاً إذا كانت النتيجة متقاربة جداً، حيث إن الهوامش الضيقة سوف تجبر وسائل الإعلام على الانتظار لفترة أطول قبل تقديم توقعاتها، ولكنها تثير أيضاً شبح إعادة فرز الأصوات والتحديات القانونية.
من الممكن أن تكون هذه الانتخابات مشابهة لانتخابات عام 1980 بين جيمي كارتر ورونالد ريغان أو انتخابات 2012 بين باراك أوباما وميت رومني، وهما اقتراعان كانا متقاربين جداً حتى حدث تحول كبير في اللحظات الأخيرة. وقد حشدت كل من حملتي ترامب وهاريس فرقاً قانونية واسعة استعداداً لنتائج الانتخابات وما قد يسفر عنه.
تجاوزات
ويتوقع أن تؤدي فرضية كهذه إلى إشعال البلاد المتوترة أصلاً، إذ إن ملايين الأمريكيين مقتنعون أن الاقتراع الذي يشهد منافسة محمومة يشهد من الآن تجاوزات. وفي ولاية بنسلفانيا، على سبيل المثال، تدخل عملية إعادة فرز الأصوات تلقائياً على مستوى الولاية حيز التنفيذ إذا كان هناك فارق نصف نقطة مئوية بين الأصوات المدلى بها للفائز والخاسر، وفي عام 2020، كان الهامش أكثر بقليل من 1.1 نقطة مئوية.
وفي حال فوز المرشحة الديمقراطية، ستكون هاريس أول امرأة تتقلد المنصب، وثاني نائب رئيس في المنصب يفوز بانتخابات الرئاسة منذ عام 1835. وكان الوحيد الذي فعل ذلك خلال هذه الفترة هو جورج بوش الأب في عام 1988، فيما إذا فاز ترامب في الانتخابات فسوف يصبح الرئيس الأكبر سناً في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، لينتزع اللقب الذي ناله جو بايدن عندما دخل البيت الأبيض في يناير 2021.
الجدار الأزرق
تقول حملة هاريس إن أفضل طريق مباشر لها للحصول على 270 صوتاً انتخابياً (المجمع الانتخابي) هو من خلال «الجدار الأزرق». إذا فازت في بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، فستحصل على 270 صوتاً وستكون الرئيسة القادمة. وبدلاً من الاعتماد حصراً على الولايات الشمالية المتأرجحة، قد تتمكن من بناء تحالف انتخابي يجمع بين بعض هذه الولايات وولايات الحزام الشمسي، موسعة بذلك احتمالات وصولها إلى 270 صوتاً انتخابياً، أما ترامب حتى ولو فاز في نيفادا وأريزونا، فلن يصل إلى 270 صوتاً، بل سيحتاج إلى فوز بولاية واحدة على الأقل من تلك المتبقية مما يسمى بولايات «الجدار الأزرق» مثل ميشيغان. هذا من شأنه أن يحقق له الهدف ليصل إلى المقدمة بـ283 صوتاً انتخابياً.
أخطاء ترامب وهاريس
ولا شك في أن ترامب 2024 ليس ترامب 2016، بدا للبعض وقد فقد الكثير من كاريزمته التي تمتع بها بعد دوره في اقتحام مبنى الكابيتول، فضلاً عن أنه يبلغ من العمر 78 عاماً، وصحته ليست على ما يرام حسب تصريحات الديمقراطيين، كما أن هاريس التي جاءت بديلاً عن بايدن في الترشح للانتخابات عن الديمقراطيين، تلاحقها تصريحاتها في 2019، والأمر يتعلق بمواقف عبرت عنها في تصريحات تعود إلى العام 2019، اعتبرت يسارية متطرفة، بينما يجادل مؤيدون أن أفكارها تطورت وأصبحت هي أكثر اعتدالاً في وجهات نظرها السياسية، حيث إنه عندما ترشحت في الانتخابات التمهيدية للوصول إلى البيت الأبيض لأول مرة في 2019، اندفعت إلى اليسار بينما كانت تناضل من أجل جذب انتباه الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي.
انتخابات العالم
انتخابات الثلاثاء لا تهم الولايات المتحدة فحسب، بل العالم كله، لذا فليس من المستغرب أن يناقش الكل في جميع أنحاء العالم كيف ستؤثر النتيجة عليهم في قبول ساكن البيت الأبيض الجديد، فالانتخابات التي بدأت آثارها تظهر بشكل تقلبات للأسهم وارتفاع للذهب إلى مستويات قياسية لاعتباره ملاذاً للتحوط. والآن يترقب العالم ليرى من سيتولى قيادة هذه «المنارة» بعد أن يتخذ الأمريكيون خيارهم في الانتخابات الرئاسية اليوم. هل ستواصل كامالا هاريس خطى بايدن بقناعتها بأن «أمريكا لا تستطيع أن تتراجع إلى الوراء في هذه الأوقات المضطربة؟»، أم سيكون دونالد ترامب مع أمله في أن تقود «الأمركة، وليس العولمة» الطريق إلى البيت الأبيض؟
وسيكون الاختيار فيها ينحصر بين «الأمل» الذي تمثله المرشحة الديمقراطية، و«المجد» الذي يعد به ترامب، رغم التحليلات التي تؤكد أن الفارق بينهما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ليس بالقدر الذي يروج له البعض.