عاد الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة، وفاز بولاية ثانية عقب 4 سنوات من خسارته السابقة أمام جو بايدن عام 2020. وحقق عودة تاريخية إلى البيت الأبيض في سن 78 عاماً، وأعاد شعار «أمريكا أولاً» إلى الواجهة مجدداً في البيت الأبيض.
حصل الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية على 279 صوتاً، في حين حصلت كامالا هاريس على 224 صوتاً، وفقاً لأرقام المجمع الانتخابي الأمريكي، ليسدل الستار على محاولة نسائية جديدة في حلم حكم البيت الأبيض، بعدما سبقتها هيلاري كلينتون في خوض المسار ذاته، علماً أنه كان لدى نائبة الرئيس حوالي 4 سنوات للوصول إلى مستويات بارزة على الصعيدين الوطني والدولي لتوسيع سيرتها الذاتية بما يتجاوز كونها اختيار جو بايدن لملء منصب معين.
ولا شك أن الحزب الديمقراطي أخطأ في تقدير الفارق في الحماسة (بين أنصار الحزبين المتنافسين) وبالغ في تقدير موقفه على الأرض. ويبدو أن هذه الثقة بحماسة النساء لصالح هاريس كانت في غير محلها علماً أن وضعاً مماثلاً حدث مع هيلاري كلينتون عام 2016.
وثبتت صحة كل التكهنات والاستطلاعات التي أشارت على مدى الأشهر الماضية إلى أن انتخابات الرئاسة ستحسمها الولايات المتأرجحة. وانتزع ترامب فوزاً ثميناً في أربع من الولايات السبع المتأرجحة، هي بنسلفانيا وجورجيا ونورث كارولينا وويسكونسن، كانت كافية لمنحه أكثر من 270 من أصوات المجمع الانتخابي، وهي العتبة الضرورية للفوز، فيما تقدم في ميشيغان. حيث أظهرت معطيات عن فرز النتائج في ولاية ميشغان أن مدينة ديربورن بالولاية والتي تعرف تواجد أغلبية عربية كبيرة صوتت لصالح المرشح الجمهوري.
عودة ملحوظة
يمثل فوز ترامب عودة ملحوظة لرجل ترك الرئاسة وسط تدهور شعبيته في أعقاب أحداث اقتحام الكونغرس في السادس من يناير 2021، وبعد انتقادات لاذعة وُجهت إليه من قبل الديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين، بيد أنه انطلق في رحلة استمرت أربع سنوات أعادته إلى قمة القوة في الولايات المتحدة.
وقال ترامب في خطاب إعلان الفوز الذي ألقاه محاطاً بأسرته وفريق حملته في فلوريدا: « سنعيد شعار أمريكا أولاً للواجهة» وأضاف: «صنعنا التاريخ لسبب الليلة، والسبب أننا ببساطة تخطينا عقبات لم يظن أحد أنها ممكنة»، متعهداً بأنه لن يبدأ حروباً بل سيعمل على إنهائها.
تجاوز العقبات
وأضاف: «تجاوزنا عقبات لم يتخيلها أحد وحققنا انتصاراً لم تره أمريكا من قبل... أمريكا أعطتنا تفويضاً غير مسبوق بعد نتائج الانتخابات واستعادة مجلس الشيوخ، ونتجه للاحتفاظ بالسيطرة على مجلس النواب».
وتوقع حصوله على 315 صوتاً من المجمع الانتخابي، وعكست النتيجة حسب عدد من المحللين حالة من الفشل وخيبة الأمل لدى الناخب الأمريكي أو قطاع كبير في المؤسسات التقليدية الأمريكية التي اتجهت إلى الإنفاق العسكري في الخارج، مما جاء على حساب الاقتصاد والمواطن الأمريكي، ويبدو أن العوامل الاقتصادية - والمعيشية أثرت في نتائج واتجاهات هذه الانتخابات سيما وأن هاريس لم تقدم برنامجاً اقتصادياً قوياً ومتسقاً من أجل اقتصاد أكثر حرية وعدالة، كما أنها تمثل حقبة بايدن التي تعرضت لانتقادات كثيرة حيث إنها نائب الرئيس.
استعادة مجلس الشيوخ
واستعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ للمرة الأولى بعد 4 سنوات من الغالبية الديمقراطية، بعد أن انتزعوا مقعدين كان يشغلهما الديمقراطيون في ولايتي وست فيرجينيا وأوهايو.
ولا شك أن ترامب، بمساعدة من تحول الديمقراطيين صوب اليسار المتشدد، قد أنشأ تحالفاً جديداً من أنصار الجمهوريين، حيث كان الناخبون اللاتينيون حاسمين للحزب الجمهوري وتحركت فلوريدا في اتجاه جمهوري حاسم، كما فعل ناخبوها اللاتينيون أيضاً. وتحولت مقاطعة ميامي ديد بالولاية التي كانت في السابق مقاطعة ديمقراطية حاسمة، والتي تمتلك عدداً كبيراً من السكان الأمريكيين الكوبيين، لصالح ترامب.
كما انقلبت أوسيولا -وهي مقاطعة بها مجتمع بورتوريكي كبير- لصالح ترامب، بعد أن فاز بها بايدن بفارق 14 نقطة.
حدس سياسي
يعتمد ترامب على «حدس» سياسي لطالما تباهى به، وبقدرة على تجاوز كل القواعد المعمول بها، ونجح في تخطي كل الصعوبات، الواحدة تلو الأخرى. حيث تخلّى عنه العديد من قيادات وأعضاء الحزب الجمهوري بعد الهجوم الذي شنّه أنصاره على مبنى الكابيتول حيث مقرّ الكونغرس بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في العام 2024، لكنه استعاد في أربع سنوات السيطرة التامة على حزبه.
أخطاء بايدن
واعتبر مراقبون أن الأخطاء غير المقصودة التي ارتكبها الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقّدت نوعاً ما المرحلة الأخيرة من حملة نائبته كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية في انتخابات الرئاسة بعد تصريحه الذي بدا فيه وكأنه يصف أنصار منافسه السابق الرئيس دونالد ترامب بالقمامة.
ويؤكد البعض أن الضرر قد وقع بالفعل وأثر على نجاح هاريس مستذكرين واقعة مشابهة حدثت في عام 2016 عندما وصفت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية السابقة، نصف مؤيدي ترامب بأنهم «بائسون»، ما أدى إلى تحفيز قاعدته الانتخابية ضدها.
ولا شك أن فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة، سيكون لذلك دلالات عميقة على بقية العالم، خاصة في ظل مواقفه الصارمة تجاه عدد من القضايا الدولية، مثل العلاقات التجارية مع الصين، والملف النووي الإيراني، والدعم الاقتصادي لحلفاء أمريكا التقليديين.