دبي المدينة الحبيبة

تحتاج دبي إلى قراءات كثيرة ومتعمقة للوصول إلى جوهر طبيعتها، إلى حقيقة تجربتها، إلى ماهية التجربة النهضوية الممتدة طويلاً والتي أنتجت هذا التكوين البديع الذي صار على كل لسان:

دبي، فدبي ليست مجرد شوارع فسيحة تنبض بالأناقة والحركة المنظمة، وليست ناطحات سحاب تذكر بمدن الناطحات الأمريكية العملاقة، وليست فنادق الأثرياء وموطن الثراء الهائل والفرص والأحلام وجزر العالم والمشاريع العقارية التي لا مثيل لها.

دبي في قلوب أبنائها وأهلها ومحبيها والعارفين بماهية التجربة الإنسانية العظيمة التي قطعتها عبر الزمن، كل هذا وأكثر بكثير، وأبعد بكثير، وأقدم بكثير، وأجمل بكثير، مما يظهر على السطح، وفي الصور والإعلانات المصورة والمتلفزة.

لكن دبي كأي مدينة عظيمة لا تبيح أسرارها ومنطقها وفلسفتها لقليلي المعرفة والذين لا يريدون أن يستوعبوا أو يصدقوا حتى اللحظة أن هناك مدينة على ضفاف الخليج فعلت ووصلت إلى ما لم يقدروا على فعله والوصول إليه، فصاروا يهذون ويهذرون ويتقولون، بلا منطق ولكن من قلة حيلة وعجز لا أكثر، فليعنهم الله على ما ابتلاهم به!

في السنوات التي كانت البيوت عامرة بالأجداد والجدات والآباء الذين يحفظون تاريخ المدينة جيداً وشهدوا نمو دبي ونهضتها وتألقها، كانوا يحدثوننا عن أسواق دبي الكثيرة والمتعددة، وعن فرضة دبي أو مينائها التجاري النابض، وعن حاكمها الذي يصحو باكراً ليتابع المشاريع بنفسه أولاً بأول، وعن التجار والبضائع التي تعرض في أسواقها، وعن البشر الذين يفدون إليها هرباً من الحاجة والمجاعات والفقر، وسعياً للأمان والفرص.. هذه دبي في الخمسينيات للذين يظنون أن دبي خرجت من تحت الرمال بين ليلة وضحاها!

بنيت دبي التي نراها جوهرة المدن اليوم، بفضل حكمة حكامها والطبقة الاجتماعية المتنورة من التجار والطواويش والأثرياء والناس البسطاء، وأصحاب السفن والذين تاجروا مع الهند وأفريقيا وجابوا البحار وشاهدوا العالم وتعلموا وأرسلوا أبناءهم لدراسة الطب والتخصصات العالية في الهند وبغداد ولندن وغيرها من حواضر العالم في خمسينيات القرن العشرين عندما كانت دبي تنطلق في مشروع نهضتها.