لماذا يتمنى كاتب عظيم كماركيز أن يكتب عملاً كتبه كاتب، أو روائي آخر؟ ولماذا يشيد بعمل معقد يحوي طبقات من الواقعية السحرية مثل رواية «بيدرو بارامو» لخوان رولفو؟ ولماذا أثرت فيه هذه الرواية دون غيرها، وغيرت مجرى حياته كما قال؟
لقد قال ماركيز عن رواية «بيدرو بارامو» إنه شعر بالعجز عن العمل كروائي بعد أن كتب أول أربعة كتب له، وإن اكتشافه الذي غير حياته لـ"بيدرو بارامو" في عام 1961 هو الذي فتح طريقه لكتابة تحفته «مائة عام من العزلة». علاوة على ذلك، اعتبر (بورخيس) أن رواية «بيدرو بارامو» هي أحد أعظم النصوص المكتوبة بأي لغة!
من القصص الشائعة التي يوردها كتاب سيرة الأديب العالمي جابرييل غارسيا ماركيز، أن أكثر الروايات التي أثرت فيه، وتمنى لو يكون هو من كتبها، هي رواية «الجميلات النائمات» للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا، الذي حاز جائزة نوبل عام 1968، ربما إعجاباً بها، وربما لأنه أراد أن يحصل بها على نوبل، لكن ماركيز كتب ما هو أجمل من هذه الرواية وأعظم منها، تلك هي «مائة عام من العزلة»، والتي قادته لجائزة نوبل عام 1982، لكن الجميلات النائمات بقين يراوحن في عقله حتى كتب على غرار تلك الرواية اليابانية روايته «ذاكرة غانياتي الحزينات»!
وأعجب ماركيز برواية كافكا التحول أو الانمساخ، حتى إنه قال حين قرأ السطر الأول من تلك الرواية لـ«كافكا»:
«لقد سقطت من الفراش بعد قراءة السطر الأول، لقد كنت مدهوشاً، وعندما قرأت هذا السطر قلت لنفسي بأني لا أعرف أي شخص باستطاعته كتابة أشياء كهذه». هل كان معجباً بها لهذه الدرجة، أم أنه لم يتخيل أن تقود الحياة كاتباً لهذه الحالة التي يتصور نفسه حشرة منكفئة على ظهرها كصرصار بلا حراك؟
الحقيقة فإن الذين قرأوا رواية كافكا لا يمكنهم أن ينسوا تلك الافتتاحية العظيمة التي قد لا تخطر على بال أحد ربما (عندما استيقظ «غريغور سامسا» من نومه ذات صباح، عقب أحلام مضطربة، وجد نفسه قد تحول في سريره إلى حشرة عملاقة!)، هذه واحدة من الافتتاحيات العظيمة فعلاً، والشبيهة بافتتاحية «آنا كارنينا» لتولستوي، هذه افتتاحيات لا يكتبها إلا كبار الكتاب، لذلك فإنها تبقى ماثلة في الذاكرة!