بشر السوشيال ميديا

في مواقع التواصل الاجتماعي تعرف وتتعرف وتتواصل مع أصناف شتى من البشر، وبما أنه فضاء عابر للحدود، متجاوز للجغرافيا، فأنت مرئي ومتابع من أشخاص ينتمون لجنسيات ومدن وديانات وثقافات وأيديولوجيات فكرية وسياسية يصح لفرط تنوعها أن تقول: «حدّث ولا حرج»، والحقيقة أنه لا حرج ولا حواجز هناك!

فإذا كنت شخصاً مثقفاً أو تميل لأمور السياسة والفكر والموضوعات الجادة والرصينة والجدلية، فستنهال عليك عوالم وبشر ليس من عالمك الذي تعيش فيه فقط، ولكن حتى من العوالم المتوازية والميتافيزيقية وغير المرئية، ولا تصيبنك الصدمة إذا طلب صداقتك الملك فاروق ملك مصر والسودان الراحل، أو السلطان سليم الغوري سلطان المماليك، أو الشاعر أبو الطيب المتنبي، أو نيقولا الثاني آخر أباطرة روسيا، أو حتى الراهب راسبوتين، أو حاكم عكا أحمد باشا الجزار، فلكل هؤلاء صفحات وحسابات بأسمائهم يديرها أشخاص لا أحد يعلم عنهم شيئاً!

لا بد أن يجعلك كل هذا الطيف الهائل من البشر تشعر بالتخوف والتشكك والتوجس الدائم، وتحديداً إزاء كثيرين يطلبون صداقتك ويصرون عليها، بل ويعاتبونك إن لم تجب طلباتهم، ثم بعد أن تلبيهم يتبخرون فلا يظهر لهم أثر، وثَمَّ آخرون تجدهم يتابعونك متابعة جواسيس السي آي إيه، يحفظون كلامك وينبشون تاريخك، وفجأة يبدأ سيل المغازلات التي بلا منطق ولا مبرر، لكن العجب يزول حين يظهر السبب فجأة، فإذا هم طلاب مصلحة لا أكثر، بعضهم يطلب أن تجد له وظيفة، وبعضهم يعرض عليك خدماته الأدبية، وآخر لا يتوانى عن طلب يدك للزواج، هكذا ببساطة، أما ماذا عن منشوراتك وآرائك، فتكتشف أنها مجرد عتبة لا أكثر!

أما أكثرهم خبثاً فذلك الذي يريد أن يجندك لصالح أجندته الدينية تحديداً، فيطلب منك أن تدخل على صفحته، وأن تكتب تعليقاً مؤيداً لفكرته المنحرفة، أو تتبنى رأيه حول تعدد الزوجات مثلاً، أما أكثر الذين يدفعونك للغضب فصديق يدعي صداقتك والإعجاب بك، ثم لا يتوانى عن التعرض بالسب والقدح في حق دولتك وبلدك، ظاناً أنك ستصفق له، فإذا بـ«البلوك» ينزل عليه دون أسف.