التاريخ ليس مجرد أحداث حدثت ونسيت، إنه أكثر ما يحرص الإنسان على تدوينه وحفظه واستذكاره، بل وتعلمه؛ لذلك لا يمكن تخطيه أو تجاوزه يوماً، إنه أول ما يتم استحضاره عند بروز أحداث من شأنها أن تغير الواقع؛ لذلك يقف الإنسان طويلاً أمام ما يحدث اليوم.

إن واحدة من أكثر طرق التحليل السياسي وفهم الواقع هي قراءة أحداث اليوم بربطها بأحداث الماضي؛ لذلك فالتاريخ لا يغيب عنا أبداً، إنه في الحقيقة معنا ويسير حذونا خطوة بخطوة، فكل ما يحدث في هذه اللحظة سيكون تاريخاً في الغد، كل ما هنالك أننا نرى هذا التاريخ وهو يتكون ويولد أمامنا ويأفل بنهاية اليوم ليصبح ماضياً!

إن سقوط التماثيل المنصوبة في الساحات والميادين العامة من أكثر اللحظات العاطفية التي تهز وجدان الجماهير وتبقى في ذاكرة التاريخ؛ لأنه يعني ما هو أكثر من مجرد سقوط تمثال من الحديد أو الرخام. إن الأمر يعني نهاية حقبة وبداية حقبة مغايرة تماماً لن تعود فيها البلاد أو المنطقة أو حتى العالم إلى ما كان سابقاً قبل سقوط التمثال!

إن سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 كان حدثاً محورياً في تاريخ العالم الذي شهد سقوط الستار الحديدي الذي نصبه الاتحاد السوفييتي على دول ومناطق وأنظمة وشعوب، فسقطت الحدود الألمانية الداخلية بعد فترة وجيزة، وتم إعلان انتهاء الحرب الباردة في قمة مالطا بعد ثلاثة أسابيع، وتمت إعادة توحيد ألمانيا خلال العام التالي، ووزعت زجاجات الكوكاكولا، أحد رموز العولمة، على الجماهير المحتفلة بسقوط الجدار، ولم تعد أوروبا كما كانت أبداً!

وبعد ظهر يوم 9 أبريل من عام 2003 بدأت مجموعة من المدنيين العراقيين بمهاجمة تمثال الرئيس صدام حسين المنصوب كفزاعة في ساحة الفردوس وسط بغداد، وبعدها لم يعد العراق كما كان، والبارحة طيلة ساعة يوم 8 ديسمبر 2024، وجماهير الشعب السوري تسقط تماثيل حافظ الأسد من معظم محافظات سوريا، وتمزق صور بشار وتحرقها، إيذاناً بنهاية حقبة مظلمة، نتمنى أن تعقبها مرحلة مستقرة لسوريا وللشعب السوري.