لا بد من الأمل

يروي لنا صناع الفيلم الإيطالي «قطار الأطفال» حقيقة تاريخية تتعلق بأوضاع مدينة نابولي، إحدى مدن الفقر في إيطاليا، التي تعكس صورة الكثير من المدن والقرى التي عاشت مآسي الحرب العالمية الثانية وما بعدها، حيث الفقر المدقع الذي يطل من أفواه القرى والأزقة، ويظهر جلياً في هياكل الأطفال النحيلة وأوضاع النساء وتفشي سوء الأخلاق.

واحدة من نتائج الحرب اختفاء الرجال من المدن والقرى كاختفاء الطعام والثياب وفرص العمل. تعيش النساء بصحبة صغارهن وسؤال تدبير المعيشة، أما الرجال فما بين قتيل في الحرب التي التهمت ملايين الرجال، ومريض ومعاق وهارب لا تعرف عنه أسرته شيئاً، فتقع مسؤولية الأسر والأطفال على كاهل النساء، أما خارج المنازل فيتجلى البؤس بشكل أكثر فجاجة، ففي الشوارع والأسواق المتواضعة، يحاول الجميع أن يكسب قدر ما يستطيع بالنصب والاحتيال ويسرق ما يتوافر أمامه، هذه هي الحرب البشعة التي قال عنها الأديب الفلسطيني إبراهيم نصر الله: «لم يخلق الإنسان شيئاً أبشع من الحرب».

إنها لا تدمر المنازل والشوارع فقط، لكنها تدمر النفسيات والعلاقات والأخلاق.

تحاول والدة الطفل أمريغو، بطل الفيلم، إنقاذه من هذا البؤس، وإنقاذ نفسها كذلك؛ لذلك تقنعه بأن يذهب مع بقية الأطفال لمدن شمال إيطاليا، حيث تجربة الحياة على النهج الشيوعي، وحيث الحياة أفضل وأكثر وفرة، لكنه لا يريد الابتعاد عنها وعن رفاقه وحارته، ويغضب لأنها تريد إبعاده عنها، لكنها تحاول إقناعه بفكرة قد يصعب استيعابها بالنسبة لطفل في الثامنة.

تقول له إن الشخص الذي يبتعد عنك أو يرسلك للبعيد قد يكون أكثر إنسان يحبك؛ لأنه يريدك أن تذهب بعيداً لتعيش وترى الحياة بشكل آخر، وتكتشف جمالاً لا يمكن أن تراه وسط أكوام التعاسة حولك، يريدك أن تعرف أكثر وتتعلم، وتصبح أفضل في المستقبل؛ لأنك لو جلست بقربه فلن يتغير حالك، ولن يكون لك مستقبل.

وبالفعل فحين يحبك شخص بصدق، قد لا يكون هدفه أن تظل في دائرة الراحة المحيطة أو متعلقاً به، بل أن يراك تنمو وتحقق أحلامك وتكتشف قدراتك الكامنة. بعيداً قد تكتشف نفسك وتتحدى حدودك، وهذا ما حدث للطفل أمريغو!