سألني أكثر من صديق، عن المواقف العامة التي اتخذها الشارع العربي من نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام بشار الأسد، حيث انقسم هذا الشارع بين مؤيد للنتيجة ومهلل لها، وبين صامت أو متحفظ، بسبب الشخصيات التي ترأست العمليات العسكرية التي قادت المشهد الأخير، الذي أفرز في النهاية الإطاحة المؤكدة للنظام، وفرار الأسد وعائلته إلى موسكو!
هذا الانقسام أدى للتردد وعدم اليقين، إزاء ما يصفه البعض باختلاط المواقف والتوجهات التي تقود الأحداث وتوجهها، وللمتخوفين أسبابهم في هذا التخوف، خلاصتها أن الإخوان المسلمين الذين تربعوا على مقاعد السلطة في بعض البلدان، أثبتوا فشلاً في إدارة العملية السياسية، وانحيازاً أيديولوجياً، قاد لدق إسفين في اللحمة الوطنية داخل مجتمعات معروف عنها تعدديتها الإثنية والدينية والثقافية، وبالتالي، يصعب صبها في أيديولوجيا واحدة ووحيدة، وجعل الحكم دينياً لأجل ذلك!
كل ذلك مفهوم ومتوقع، إلا أن سقوط الطغاة أولاً وأخيراً، مكسب إنساني، لا يحتاج إلى نقاش وجدال في كيفية استقباله كحدث، وتأييده كواقع، بل لا بد من الاستبشار به، انحيازاً للعدالة والإنسانية، ومناصرة للمظلومين والمقموعين والمقتولين ظلماً، ضد السجانين والطغيان وليل السجون العفنة والمرعبة والطويلة، الاستبشار بسقوط الظلم، حق ومطلب، وأمر بدهي، لا يحتاج للتردد، ولا لأخذ الإذن، إنه أمر من أمور الفطرة الإنسانية السليمة.
تسعى هذه الثورات إلى تحقيق قيم الحرية والمساواة والكرامة. لذلك، لا يمكن التقليل من أهميتها، أو من جدوى استبشار الناس بسقوط الأنظمة الاستبدادية، سواء كانت تلك الأنظمة قد مارست القمع والتسلط على شعوبها، أم سعت إلى تكريس دكتاتوريات فاسدة، تحكم البلاد بالعنف والخوف، هذه أنظمة لا يجوز معادلتها بأية أنظمة أخرى، أو البكاء عليها، لأنها كانت تمسك بزمام الأمور بقوة مانعة الفوضى والاحتراب الداخلي، والحقيقة، فإنه لا شيء يعادل الطغيان، ولا يقارن به، ولا يجوز أبداً البكاء عليه، تحت أية ذريعة، فالبكاء على بشار، خيانة لدماء الشهداء وعدالة قضية الوطن.
المقولة الشهيرة «إن سعي الشعوب للحرية حق مشروع»، تكشف عن ضرورة النضال ضد الاستبداد. فالظلم هو عائق أساسي أمام تطور المجتمعات الإنسانية، وكلما ازداد ذلك الظلم، تعاظمت الحاجة إلى الثورة، كأداة لاستعادة تلك الحقوق المسلوبة.