فتنة الهاتف الذكي

بسهولة ودون حاجة للتأكيد والإثبات، ودون أن يكون في الحديث أي مبالغة أو تهويل، فإن الظاهرة كما تبدو للجميع تعبر عن نفسها بوضوح: جميع الناس من كل الأعمار والشرائح الاجتماعية، ومن كل الثقافات حول العالم مفتونون بالهاتف النقال ومواقع التواصل، ومتعلقون به بما يشبه الإدمان، حتى صار من غير الوارد أن تجد شخصاً يجلس بمفرده أو صحبة آخرين دون أن تعبث أصابعه بالهاتف أو تتعلق عيناه بشاشته! لماذا هذا الافتتان يا تُرى؟

أساتذة الإعلام يقولون إننا نعيش زمناً رقمياً بامتياز، زمن الإنترنت ومواقع التواصل والذكاء الاصطناعي، فمن الطبيعي أن يصبح الهاتف النقال جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس، بغض النظر عن أعمارهم أو ثقافاتهم أو بيئاتهم الاجتماعية، فهذه الظاهرة لم تعد تقتصر على فئة معينة من الناس، أو مجتمع من المجتمعات، بل أصبحت تمثل السمة الثابتة للجميع في كل مكان.

أحد أبرز أسباب التعلق هو سهولة الوصول إلى المعلومات والتواصل الفوري، حيث لم يعد الهاتف وسيلة تواصل وثرثرة مع الأهل والأصدقاء، الناس اليوم آخر ما تفكر به هو الحديث عبر الهاتف، أما الوظيفة الأولى له فهي الوصول إلى الإنترنت، والتواصل مع الآخرين عبر مواقع التواصل، وتبادل الرسائل والصور والمعلومات والفيديوهات بسرعة وسهولة، عبر الكثير من التطبيقات التي تمنح الجماهير ذلك الشعور بالانتماء إلى مجموعات وأصحاب، فهو إذن شخص منتمٍ ومندمج، وجزء من الآخرين، وليس وحيداً أو متوحداً أو غريباً أو منبوذاً!

مواقع التواصل الاجتماعي ليست بيئة للنميمة والتنمر والتظاهر فقط، ولكنها بيئة خصبة للتسلية والترفيه. مواقع مثل «تيك توك» و«يوتيوب» تتيح للمستخدمين مشاهدة مقاطع الفيديو الممتعة والضحك طوال الوقت، إضافة للفيديوهات التعليمية والترفيهية والثقافية، مما يجعل الوقت يمر دون أي إحساس بالملل والاغتراب!

من خلال التفاعل مع المنشورات يكسر الكثيرون حواجز شعورهم بالخجل والتردد، كذلك حصولهم على الإعجابات والتعليقات يشعرهم بالقبول الاجتماعي والاهتمام. هذا النوع من التعزيز الإيجابي يؤدي إلى الإدمان المستمر لا محالة، حيث يصبح الشخص في بحث دائم عن المزيد من الدعم والاهتمام.