انتظرت بفارغ الصبر حتى تبدأ منصة نتفلكس عرض مسلسل «مائة عام من العزلة»، المقتبس عن رواية لماركيز بالاسم نفسه، وحينما عرض أخسست بخيبة أمل كبيرة.
وبرغم كل البراعة التي تمتع بها الممثلون وحركة الكاميرا ومشاهد الطبيعة إلا أنه أظهر لنا عالم ماركيز على شكل لقطات متسارعة، وأحداث سطحية تهدف إلى تلبية غرائز الجمهور بشكل أساسي، وتقدم له رواية من العيار الثقيل وكأنها قطعة بيتزا لا أكثر، بدلاً من أن تغمره في عمق الرؤية السحرية لماركيز.
إن تحويل رواية ماركيز لمسلسل كان خيانة حقيقية لوصيّة ماركيز لعائلته بعدم السماح بذلك حتى لا تتكرر تجربة رواية «الحب في زمن الكوليرا» عندما تحولت لفيلم سينمائي خيّب آمال ماركيز نفسه، فلا يمكن أن ينجح مخرج مهما كانت عبقريته في ترجمة أفكار ورؤى وفلسفة ماركيز عبر شريط سينمائي.
ماركيز، في حياته، كان قد صرح مراراً بعدم رغبته في تحويل أعماله الأدبية إلى أفلام أو مسلسلات، لأنه كان يرى أن السينما لا تستطيع أن تترجم تعقيداته الأدبية والنفسية بشكل صحيح، ولعل أبرز مثال على هذا هو تحوّل روايته الشهيرة «مئة عام من العزلة» إلى مشروع فيلم، تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة.
«الحب في زمن الكولير»، التي تعتبر واحدة من أكثر رواياته شهرة، تم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2007، لكن النقاد آنذاك اعتبروا أن الفيلم لم يستطع أن يلتقط جوهر الرواية، وأعاد التاريخ نفسه مع المسلسل الأخير.
من المعروف أن أعمال ماركيز تتميز بتركيزها على العواطف الإنسانية العميقة، والعلاقات المتشابكة بين الأفراد داخل سياقات اجتماعية وثقافية وسياسية معقدة، ولكن المسلسل الذي يعرض حالياً يفتقر إلى هذه الرؤية الفلسفية التي أضفت الحياة على صفحات الرواية.
بينما الكتاب يخلق عالماً مكثفاً من الصور المجازية والرمزية مقدماً عِبراً واقعية سحرية تكتشف روح أمريكا اللاتينية، وعمق معرفة ماركيز بالعوالم التي رسمها، وقدمها مازجاً الرؤية التوراتية للعالم بعبقرية الإبداع لديه من خلال قرية ماكوندو المتخيلة وعائلة بويندا وزوجته أورسولا ومساهماً، وما سينتج عنه من عوالم وقصص وطموحات وحروب وعلاقات وخطايا مدمرة.