إن أول ما يمكن تسجيله حول رواية «الوصايا» أنها نص نوستالجي يصب في أدب الحنين بوضوح، كما أنه نص مصري بامتياز: الحدوتة، الشخوص، القرية، التفاصيل التي لا يعرفها ولا يعيشها أو يعايشها ويعرفها جيداً إلا الإنسان المصري، العلاقة العضوية بالأرض، العائلة الممتدة التي تعيش في بيت واحد والصراع الطاحن بين النساء فيه، و«البهايم» التي تعيش مع أهل الدار، ودودة القطن، والتطورات الاجتماعية التي قصمت أسس البيت القديم، وأصابت العائلة والقرية في مقتل!
عادل عصمت روائي على مشارف الستين، يعمل في قطاع المكتبات المدرسية في طنطا، ويوشك على التقاعد، حكّاء على طريقة خيري شلبي ونجيب محفوظ، متغلغل في علاقته بالمكان كأنثروبولوجي حقيقي وبالشواهد الماثلة وبما كان، مرتبط بمدينته ارتباطاً عضوياً، يعرفها كما يعرف خطوط كفّه، ويمشيها على قدميه ببساطة، ويحزن حد الصدمة إذا هدم بناء فيها!
عادل، يكره الزحام وإضاعة الوقت في اللاطائل من ورائه، لذلك يصاب بالتوتر حين تسأله المذيعة التي تستضيفه (لماذا لم تنتقل للقاهرة وقد أصبحت روائياً مشهوراً؟) فيجيب: لماذا علي أن أنتقل أصلاً إلى أي مكان طالما تمنحني مدينتي كل ما أريد؟ كاد يفقد إيمانه بالكتابة للحظة، لكن نجيب محفوظ أنقذه حين منحته الجامعة الأمريكية بالقاهرة جائزته!
الوصايا عبارة عن عشر محطات حياتية كبرى عبرها الجد (عبدالرحمن محمد سليم) ليصل في النهاية إلى ذلك الرجل الراقد في سريره خالياً من ضوضاء الحياة، والمتخلي عن كل شيء والممتلئ بالحكمة والوصايا، هذه الوصايا التي حين أراد أن يحفظ جوهرها لم يجد سوى حفيده، الولد الذي كان يسميه بـ«الساقط» لتعثره الدراسي، لأنها ستفيده أكثر من الأرض والمال!
أخيراً، نتساءل كقراء مع الولد «الوصي»: لماذا لم تحفظ الوصايا للجد نفسه العائلة والحياة والحب والبيت والاستمرارية؟ فالوصايا إذاً هي ميراث المصري الحريص على سريان منظومة القيم المصرية في دم الحياة الإنسانية، الحياة التي يجب أن تمضي بقوانين التغيير الأزلية، الحياة التي يجب أن نحياها نحن ونختبرها! فهل يصح أو يجوز لأحد أن يختبر الحياة نيابة عن غيره!!