قرأت للروائي الكولومبي غارسيا ماركيز، هذه العبارة، وأخذت أتخيلها طويلاً، وأفكر في ما أراد أن يقوله لنا ماركيز من خلالها، تقول العبارة:

«ذلك الخائب الذي ألقى بنفسه إلى الشارع من شقة في الطابق العاشر، وأثناء سقوطه راح يرى عبر النوافذ حيوات جيرانه الخاصة، المآسي المنزلية، علاقات الحب السرية، لحظات السعادة الخاطفة التي لم تصله أخبارها أبداً، بحيث إنه في اللحظة التي تهشم فيها رأسه على رصيف الشارع، كان قد غير نظرته للعالم كلياً، وكان قد اقتنع بأن تلك الحياة التي هجرها إلى الأبد، عن طريق الباب الخاطئ، كانت تستحق أن تُعاش»، لكن الوقت كان قد فات إلى الأبد!

لا أدري كم من القرارات التي نتخذها، ونحن على يقين بمدى صحتها، وإذ نشرع في تنفيذها، ينتابنا ذلك الإحساس الطاغي بالندم أو بالتردد، ولا أدري أيضاً، لماذا، بالرغم من يقيننا بخطأ ما قررناه، لا نتوقف ونعود خطوة للخلف ونتراجع؟ ربما لأن بعض القرارات لا يمكن العودة عنها، متى ما بدأنا في تنفيذها، تماماً كما في حالة ذلك «الخائب»، لكن هناك قرارات بالإمكان إيقاف مكابح عجلاتها، لكننا لا نفعل لسبب ما!

وسواء كان ما يغادرونه حياة عجزوا عن عيشها كما يجب، أو علاقات معينة قرروا إنهاءها لسبب ما، أو بيتاً أو امرأة أحبوها، أو بلداً شعروا بضيق العيش فيه، أو.. فهل يمر شريط الحياة دفعة واحدة أمام أعينهم، فيجعلهم يشعرون بأن هناك الكثير مما لم يروه، لضيق في التفكير، أو عجز في الإمكانات، أو فقر في الإيمان، أو عجز في السعي؟.

إن أحداً لا يستطيع تعليم الآخر كيف يحيا الحياة، علينا وحدنا أن نمتلك هذه الجرأة لنتعلم، وتلك الشجاعة لنكتشف، لكن قبل ذلك، لا يحق أن نقرر المغادرة، دون بذل تلك المحاولات المضنية والحقيقية.