احتجت ليومين كاملين كي أقنع نفسي بطقس هذه المدينة المطلة على البحر الأسود، لم يكن من السهل القبول بهكذا طقس حار، وشمس ملتهبة، لا تغرب بسهولة، أردت مدينة تصالحني على المسافات والأسفار، مدينة قريبة بسيطة لا أعرفها، ولم أسافر إليها سابقاً، ولا تتجاوز مدة الرحلة إليها طويلاً، لكن الريح جرت عكس ما اشتهيت.

عكر طقس المدينة صفو نفسي، لولا مودة الأصدقاء الذين تدخلوا لإصلاح ما أفسده المناخ، فكان أجمل ما استوقفني في تدخلاتهم هو تلك الحميمية، التي تدفقت من باب (أنتِ من الإمارات ونحن لنا مع بلادك قصة عمر وأفضال لا تنسى)، فتردد راضياً: ما أجمل الوطن حين يسير بجوارك حتى آخر الدنيا ماداً لك يده كوسادة عشب، ومخدة من أحلام وطمأنينة!

بعد أن هدأت، صرت أجلس في مقاهي المدينة أتأمل وجوه أهلها، إنهم يدلفون إلى المقاهي، وإذ يجلسون تتفصد جباههم عرقاً، ويسعى الندل مستعدين لتسجيل طلباتهم، بينما هم يقلبون دفاتر القوائم متضاحكين، ويمر الوقت طيباً هادئاً فتنظر إلى حالك، إلى تأففك وضيقك واعتكار مزاجك بسبب الحر متسائلاً: لماذا لا أحتمل إذن؟

ألسنا في فصل الصيف؟ ألا تقدم مراكز الأرصاد الجوية حول العالم أخباراً وتقارير عن ارتفاع حرارة الأرض إلى مستويات غير مسبوقة؟ نعم، لكن هناك من يفعل به الحر فعله ومن يمرضه ويحول أيامه إلى معاناة! ذلك أمر خارج الحول والقوة، هكذا نخلق أحياناً، لكننا نحتاج لأن نتعود.

وكنت أريد أن اعتاد طقسك أيتها المدينة، وقد حاولت وتأملت وتفلسفت في محاولة للوصول لهذا الاعتياد، إلا أن نادل ذلك المطعم وهو يهرع لإحضار القهوة إلى طاولتي مبتسماً، نسي أنني طلبت القهوة بالسكر لا بالملح، فضاعف حنقي حين قال: آسف مدام، قاتل الله الحر والزحام.