كنت كلما جلست على كرسي طبيب الأسنان المرعب، أنظر إلى وجه الطبيب وكلي رجاء أن لا يجعلني عرضة للألم، ولطالما فكرت في هذا السؤال: ماذا يفعل طبيب الأسنان حين تؤلمه أسنانه؟ من يعالجه؟ وهل ينتابه الخوف نفسه الذي ينتاب الجميع؟ وهل يثق بأي دكتور أسنان، أم أن معرفته الواسعة تجعل معايير الاختيار عنده صارمة جداً؟
ومثل طبيب الأسنان هناك مهن ووظائف كثيرة ينتابنا الفضول دوماً لنعرف ماذا يفعل أصحابها عندما يحتاجون لمن يقدم لهم الخدمة ذاتها التي يعملون فيها، الجراح، والخياط، والمحامي، والطاهي، و...، وغيرهم، ذلك أنك حين تمارس عملاً أو مهنة، وتتفوق فيها، وتعرف دقائقها، فإنه يصعب عليك القبول بأي شيء، فتكون انتقائياً في اختيار من يعالجك أو من تقبل به محامياً، أو طاهياً مثلاً إذا كنت من مشاهير الطهاة، والأمر لا يخلو من لطائف ومفارقات في هذا الشأن، رغم أن الإنسان في نهاية الأمر يضطر لعدم تعقيد الظروف، والتساهل أحياناً، لأن المطالبة بمعايير قاسية قد تقوده لخسارة كل شيء في النهاية.
العبرة الحقيقية ليست في توافر الشروط أو في غياب معايير الجودة في حياتنا، ولكن في صفتي الاحتياج والنقصان، وهما صفتان بشريتان يحتاج الإنسان للاقتراب منهما ولمسهما بقوة ليدرك أنه كائن مستطيع بغيره، وأن فكرة التخلي الكامل والاستغناء التام عن الآخرين فكرة ليست إنسانية في عمقها الحقيقي، وليست أخلاقية، وليست مريحة أو ذات معنى. إن المعنى الحقيقي للإنسان يكمن في نقصانه، لا في كماله، ذلك النقصان الذي يكتمل عند الآخر أو الآخرين.
لا يظن أحدنا أن ممثل المسرح الكوميدي سعيد بالضرورة، وسعيد دائماً، وأنه لا يعرف العبوس والحزن والكآبة، بل إن هذا الذي يضيء مسارح المدينة بالضحك والسهر والقهقهات قد يكون أكثرنا احتياجاً لمهرج يخرجه من أحزان قلبه، لكن ما العمل إذا انطفأ قلب المهرج نفسه؟