كتبت إدارة متحف (تيت بريطانيا)، أو ما كان يعرف سابقاً باسم المتحف الوطني للفن البريطاني، عندما تأسس في عام 1897، على أحد جدران قاعاته الضخمة، التي تضم روائع أشهر فناني بريطانيا المعاصرين، هذه العبارة «في عام 1938 وقف مدير هذا التحف في وجه هنري مور متحدياً: لن تدخل أعمال مور إلى Tate، ولو على جثتي، وها نحن اليوم نرى له 634 عملاً من البرونز والرخام في هذا المتحف الشهير».
هنري مور فنان بريطاني (1898-1986)، يعد أحد أعظم النحاتين في العالم، أراد له والده مهندس المعادن المغرم بالموسيقى والأدب، منذ البداية، مستقبلاً لا علاقة له بالمعادن والمناجم مثله، فوجد أن التعليم هو السبيل لذلك، فعمل ما بوسعه ليعلمه أفضل تعليم، ليبعده تماماً عن الفقر وحياة البؤس.
لكنه، ومنذ دخوله الحضانة، وحتى في المدرسة الابتدائية، لم يتوقف الطفل ابن رجل المناجم والمعادن، عن اللعب بالصلصال والخشب، وتشكيل المنحوتات، كان واضحاً أنه لن يذهب بعيداً عن قدره، مهما كانت قرارات واهتمامات والده، فقد وجد في تشجيع معلمته طريقاً واضحاً نحو هدفه، ففي سن الثامنة عشرة، أصبح واحداً من أهم فناني النحت في بريطانيا، متأثراً بالمعلم مايكل أنجلو، لكنه عندما قرر أن يأخذ منحوتاته التي حظيت بإعجاب الجميع إلى المتحف، وقف المدير في وجه ذلك، وبمنتهى الصرامة!
غيّر الأب حياة ابنه نحو أفق آخر بوعي تام، أما المعلمة، فقد قادها إيمانها بتلميذها، إلى أن تضعه على قمة مجد الفن، وأما مدير المتحف، فكأي مسؤول لا يؤمن بقدرات وحق الآخرين في الاختلاف مع أفكاره وتوجهاته، فقد حاول منع وجوده في المكان، بلا تفكير في العواقب!
لكن، وفي نهاية الأمر، فإن كل مديري المتاحف قد ذهبوا إلى غياهب النسيان، والذي بقي خالداً، هو الفن، وأسماء الفنانين الذي صنعوه! تذكرت ذلك وأنا أسير في ساحة مايكل أنجلو في مدينته فلورنسا الساحرة، وتمثال البرونز الأخضر الشهير يشمخ فوق أعلى مكان هناك، لحظتها تساءلت، يا ترى، من كان يدير بلدية المدينة يومها؟.