كتبت صديقة، رداً على مقال الأمس، فنّدت فيه خطورة الاتجاه نحو تنحية دور الناقد في الحياة الأدبية والإبداعية، باعتباره شكلاً من أشكال التسلط والوصاية، وعلينا الخلاص منه، متسائلة: ماذا أنتجنا بهذا الاعتقاد؟ أنتجنا أدباً هزيلاً، وطفيليات توجه ذائقة الجماهير، للأسف.
أتفق جملة وتفصيلاً فيما ذهبت إليه، فدور الناقد سيبقى من ضرورات الحياة الأدبية الملتزمة، باعتباره مساعداً في بناء وتأسيس الذائقة الجمعية السليمة، انطلاقاً من امتلاكه لكل الأدوات التي تمكّنه من أن يفرز نصوصاً حقيقية وثمينة، بعيدة عن القبح والغث والسيئ.
«… وألا يبالي ماركيز بالنقد والنقاد، أو أن يقول المتنبي أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم، لا يبرر إطلاقاً رغبة الكثيرين في التخلص من النقد والنقاد، صحيح أن «رولان بارت»، أعلن موت المؤلف، لكن المؤلف لم يمت، وما زال القارئ حريصاً على تتبع حياة الكاتب، عساه يجد في تفاصيلها تفسيراً أو تأويلاً لما يكتب..».
لقد قرر الغرب في مرحلة ما بعد الحداثة، التخلص من المدارس أو النظريات النقدية الصارمة، على اعتبار أنها في بعض وجوهها تسعى إلى قولبة الأدب، وسجن المؤلف والقارئ معاً وراء قضبانها، فتحد من حرية طرفي الإبداع، المؤلف والقارئ، لكن الحقيقة هي أن الحداثة وما بعدها، أعلتا من قيمة الحرية، وتعدد الآراء، وبشرتا بحرية الفكرة، وحرية الرأي، وحرية الإبداع، وحرية الفرد، حتى انفلت كل شيء، الأدب والذوق والتعبير؟.
لو تأملنا واقع الإبداع اليوم، للاحظنا أن الكل صار مبدعاً، والكل صار ناقداً، وفي بالمقابل، غاب الناقد الحقيقي، أو غيبناه بحجة الحرية في الفن وفي الرأي، ولكننا أنبتنا بدلاً عنه طفيليات، صرنا نراها (مؤثرة) في ذوق الجمهور! ووجدنا أنفسنا أمام مئات المواقع والأصوات التي تقيّم الكتاب أو المنتج الفني، باعتبار أن أصحابها يمثلون صوت الجماهير، في حين أن بعضهم لم يقرأ إلا بضع صفحات من الكتاب لا أكثر!
تقول الصديقة: «في رأيي، نحن اليوم في حاجة للنقاد وللنقد الجاد والعميق، أكثر من أي وقت مضى، عساه يحمي أدبنا من الانحدار نحو قاع لم نصل إليه قبلاً».