أغوستين فرنانديز مالو كاتب وفيزيائي إسباني في أواخر الخمسينيات من عمره، لديه أعمال عديدة وفاز بجوائز أدبية وينتمي لجيل يعرف بـ«ما بعد ثورة البوب»، يقول هذا الأديب في وصف علاقته بالكتابة «أنا أكتب لنفسي، وأظن أن الكتابة للقارئ خطأ، وينبغي ألا ننسى أن أعظم احترام للقارئ هو تجاهله، والكتابة كأنما هو غير موجود، كما من الغباء أن تكتب لإرضاء شخص ما والحال ذاته مع الكتابة لإغضاب شخص ما».
هذا كاتب يحترم كتابته ويحترم قارئه ويعي تماماً طبيعة العلاقة والمسافة التي يفترض أن تكون بين الكاتب والقارئ، الكاتب لا ينظر لأحد وهو يكتب، لا يجب أصلاً أن ينظر لأحد أو ينتظر أحداً أو يخاف من أحد، لأنه في هذه الحالة لن يكتب وإنما يعبث أو يتسلى أو يسترزق، وهذه ليست كتابة أبداً، إنها وظيفة، والكتابة ليست وظيفة!
ولقد وجدت أحدهم قد علق على هذا الاقتباس المنسوب للكاتب (أوغستين فرنانديز مالو) معتبراً أن عبارة «أنا أكتب لنفسي» عبارة «مستفزة» تقارب الكلام الذي لا معنى له أو كما وصفها بـ«الكلام الفاضي»، وبحسب رأيي فإن فهمنا لما يقوله الفلاسفة والأدباء وأصحاب المشاريع الفكرية يجب أن يتجاوز القشرة الظاهرة للكلمات، كما يجب أن يتعمق في أفكارهم وانتماءاتهم الفكرية!
إن الزاوية التي ننظر ونقرأ من خلالها معنى (أكتب لنفسي) هي ما يحدد فهمنا أو عدم فهمنا للمعنى، لأن الكاتب حينما يكتب فإنه يجب أن ينظر إلى داخله، ويعبر عن نفسه، ويقول ما يؤمن به، وبالتالي سيبدو وكأنه يكتب لنفسه، بمعنى أن كتابته هذه ستقول ما يعتمل في داخله وتعبر عن حقيقته، لذلك فهو يكتب بصدق وبدون مجاملة لوسط أو محيط أو إنسان، وساعتها فقط سيصل بسهولة لقلوب قرائه، الذين سيقدرون هذا الصدق وتلك الشفافية لأنهم سيجدون أنفسهم فيها.
إن العلاقة بين الكاتب وكتابته وبين القارئ والنص الذي يقرؤه، ثم بين الكاتب والقارئ، علاقة معقدة متشابكة ومتضامنة أيضاً، تصل إلى درجة أن ينفي أحدهما الآخر كي يقرأ القارئ ويكتب الكاتب بحرية مطلقة دون الخوف من الآخر.