نحترم التجربة ونمضي

حين نكتب عن تجاربنا الجميلة والقاسية، فإننا لا نفعل شيئاً سوى القيام بالتوثيق الاعتيادي لتجاربنا الحياتية اليومية، إن الكاتب كإنسان يكتب يومياته وما يمر به، إنه الخميرة الرئيسية لكل ما يكتبه لاحقاً، يشرح في تلك الكتابات اليومية ردات فعله وحالاته الشعورية في تلك الأوقات الصعبة أو السعيدة أو المملة أو التي لا تحتمل ربما، ليعود لاحقاً فيرى إلى أين أوصلته التجربة، وكيف اختبرت الحياة صلابته؟ وماذا بقي منه؟

وليس شرطاً أن تصبح هذه الحالات من ثوابته الفكرية، لكنها قد تكون استنارات وجدانية يكشفها له المرض أو الصدمة أو العاطفة أو انفتاح أبواب الحظ أو التورط في بعض الخيبات، أقول ذلك رداً على قارئة عزيزة كتبت لي تقول (المرض فترة لابد أن ننساها حتى نمضي في الحياة ونعيش، قوسان مظلمان من الحياة نغلقهما ونمر لحياتنا التي كانت قبله) كأنها تود أن تقول: لماذا علينا أن نتوقف أكثر مما يجب؟

وأنا مثلك عزيزتي القارئة، أعتقد أن التعامل مع المرض أو التجارب القاسية بجدية مفرطة يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين. فمن جهة لا بدّ من احترام الألم وتجربة المعاناة، فهي جزء من حياتنا، لا يمكننا تجاهلها أو التقليل من أهميتها، لكن من جهة أخرى، إذا تمسكنا بتلك التجارب أكثر من اللازم، فقد نصبح أسرى لها، وقد يصعب علينا المضي قدماً بشكل طبيعي فيما بعد إذا تحكمت فينا تلك الأفكار المقلقة.

لا أشك في أن المبالغة في التفكير في المعاناة أحياناً قد تكون سبباً في استمرار تأثيرها علينا، لذلك فمن الضروري أن نتعامل مع الألم بوعي، أن نعيش اللحظة ونمنح أنفسنا الوقت للتعافي، ولكن أيضاً ألا نعلق طاقتنا وعواطفنا على الماضي. الحياة مستمرة والوقت يمضي، وإذا ظللنا نغرق في التجربة، قد نفوّت فرص التغيير والنمو والاستمتاع بما يكتنزه المستقبل من فرص عبر بوابة العبور السلس لما بعد الأزمة!

الحل في أن نوازن بين الوعي بالألم والقدرة على تجاوزه، والتركيز على استعادة قوتنا مع احترام التجربة التي مررنا بها، ففي النهاية، كل ما مررنا به قد دفعنا ثمنه كاملاً من حسابنا وأعمارنا ومشاعر من حولنا.